كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 61 """"""
ويجلس يوماً للخلوة بنسائه ، ثم جدر فمات ؛ وعمل له ناووس في جنته وجعل فيه من الأموال والجواهر والصنعة والتماثيل كما كان يجعل لآبائه . وكان ملكه ثلاث عشرة سنة ، وانتقل الملك إلى أعمامه .
ذكر أخبار أتريب الملك
هو أتريب بن قبطيم بن مصريم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام . قال : وكان أتريب قد انتقل إلى حيزه بعد وفاة أبيه قبطيم ، وهي المدينة التي كان أبوه بناها له ، وكان طولها اثني عشر ميلاً ، ولها اثنا عشر باباً ، وفي شارعها الأعظم ثلاث قباب عالية على عمد بعضها فوق بعض ، منها قبة في وسط المدينة ، وقبتان في طرفيها ، وجعل على كل ركن منها مرقباً كبيراً يوقد ليلاً ، وعلى كل باب من أبوابها حرساً كثيراً ، وجعل في كل جانب منها ملعباً ومنتزهات تشرف من تلك المجالس عليها ، وشق في عرضها نهراً وعمل عليه قناطر معقودة ، وبنى فوقها مجالس يتصل بعضها ببعض ، وجعل حوله منازل تدور بالخليج متصلة بالقناطر على رياض مزروعة وخلفها الأجنة والبساتين ، وعلى كل باب من أبوابها أعجوبة من تماثيل وأصنام متحركة وأصنام ينبع الماء من آذانها ، ومن داخل كل باب صورة شيطانين من ضفر ، فكان إذا قصدها أحد من أهل الخير قهقه الشيطان الذي عن يمنة الباب ، وإن كان من أهل الريب بكى الشيطان الذي عن يسرة الباب ، وجعل في كل منتزه منها من الوحوش الآلفة والطير المغردة كل مستحسن ، وجعل فوق قباب المدينة صوراً تصفر إذا هبت الرياح ، ونصب له فيها مرايا ترى البلدان البعيدة والعجائب الغريبة ، وبنى حذاءها في الشرق مدينة وجعل فيها ملاعب وأصناماً بارزة كثيرة في خلق مختلفة ، وجعل في وسطها بركة إذا مر بها الطير سقط عليها فلا يبرح حتى يؤخذ ، وجعل لها جصناً باثني عشر باباً وجعل على كل باب من أبوابها تمثالاً يعمل أعجوبة وعمل حولها أجنة ، وجعل ما يقرب منها من ناحية الشرق مجلساً منقوشاً على ثماني أساطين ، وفوق المجلس قبة عليها طائر منشور الجناحين يصفر كل يوم ثالث صفرات : بكرة ونصف النهار ، وعند الغروب ، وأقام فيها أصناماً وعجائب كثيرة ، وبنى مدناً كثيرة وأكثر من العمارات ، وأقام رجلاً يقال له برسان يعمل الكيمياء ،

الصفحة 61