كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 62 """"""
وضرب منها دنانير ، في كل دينار سبعة مثاقيل عليها صورته ، وعمل منها تماثيل كثيرة . وعاش أتريب في الملك ثلاثمائة سنة وستين سنة ، وكانت سمة خمسمائة سنة . وعمل له ناووس في جبل بالشرق حفر له تحته سرب بطن بالزجاج والمرمر وجعل على سرير من ذهب مرصع وحملت إليه ذخائره ، وجعل على بابه صورة تنين لا يدنو منه أحد إلا أهلكه ، وزبر عليه اسمه وتاريخ وقته ، وسفوا عليه الرمال .
وملكت بعده ابنته تدرورة فدبرت الملك وساسته بأيد وقوة خمساً وثالثين سنة ثم ماتت . فقام بالملك أخوها فليمون بن أتريب ؛ فرد الوزراء إلى مراتبهم ، وأقام الكهان على مواضعهم لوم يخرج الأمر عن رأيهم ، وجد في العمارات وطلب الحكم وعمل بها . وفي أيامه بنيت تنيس الأولى التي غرقها البحر ، وكان بينها وبين البحر شيء كثير ، وحولها الزروع والأشجار والكروم والقرى ومعاصر الخمر وغيرها وعمارة لم يكن أحسن منها ، فأمر الملك أن يبنى له في وسطها مجالس ، وينصب له عليها قباب ، وتزين بأحسن الزينة والنقوش ، وأمر بقرشها وإصلاحها ، وكان إذا بدأ النيل في الزيادة انتقل الملك إليها فأقام بها إلى النوروز ورجع . وكان للملك بها أمناء يقسمون المياه ويعطون كل قرية قسطها ، وكان على تلك القرى حصن يدور بقناطر ، وكان كل ملك يأتي يأمر بعمارتها والزيادة فيها ويجعلها له متنزهاً .
ويقال : إن الجنتين اللتين ذكرهما الله تعالى في كتابه كانتا لأخوين من أهل بيت الملك أقطعهما الملك ذلك الموضع . وقد تقدم ذكر خبرهما عند ذكرنا لبحيرة تنيس ، وهو في الباب السادس من القسم الرابع من الفن الأول في ذكر البحار والجزائر وهو في السفر الأول من كتابنا هذا .

الصفحة 62