كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 63 """"""
قال : وفي زمان فليمون بنيت دمياط على اسم غلام له كانت أمه ساحرة لفليمون . قال : وملك فليمون تسعين سنة ، وعمل لنفسه ناووساً في الجبل الشرقي ، وحول إليه من الأموال والجواهر وسائر الذخائر شيئاً كثيراً ، وجعل من داخله تماثيل تدور بلوالب في أيديها سيوف فمن دخلها قطعته بسيوفها . وجعل عن يمينه ويساره أسدين من نحاس مذهب بلوالب أيضاً فمن دنا منهما حطماه ، وزبر على الناووس : هذا قبر فليمون بن أتريب بن قبطيم بن مصريم ، عمرا عمراً ، وبقي دهراً ، واتاه الموت فما استطاع له دفعاً ، فمن وصل إليه فلا يسلبه ما عليه ، وليأخذ مما بين يديه .
وصار الملك بعده إلى ابنه قرسون بن فليمون ؛ وجلس على سرير الملك ، ودخل إليه عظماء أهل البلد والخاص والعام فهنؤه بالملك ، فتقدم في أمر الهياكل والكهنة وطلب الحكمة ؛ وكان حدثاً جميلاً فعشقته إحدى نساء أبيه ، وكانت تتولى طيبة وتزعم أن أباه أمرها بذلك ، ثم بعثت إلى ساحرة من أعلم السحرة بمنف فسألتها أن تسحره لها وبذلت لها على ذلك أموالاً ، وإذا الساحرة قد عشقته أشد من عشقها ، فسعت بامرأة أبيه وعرفته ما بذلت لها على ذلك ، فأبعدها عن مجلسه ومنعها من الدخول إليه .
وبلغ ملكاً من ملوك حمير أن ملك مصر صار إلى غلام حدث غر فطمع فيه وسار إليه في جموع عظيمة ، فخرج قرسون نحوه فالتقوا بأيلة واقتتلوا قتالاً شديداً حتى تفانى الفريقان ، فأتت تلك الساحرة إلى الملك فقالت : ما تجعل إلى أعنتك على عدوك حتى تفض جموعه وتظفر به ؟ قال حكمك ؛ فأخذت عليه بذلك العهود والمواثيق ، وأصبحوا للحرب فدخنت الساحرة بدخن عجيبة وأظهرت تخابيل هائلة ، فهرب الحميري في نفر يسير من ثقاته ، وقتل بقية أصحابه ، وحاز جميع ما كان في خزائنهم ، وعاد الملك إلى منف بالظفر والغنيمة ، فأتته الساحرة فسألته الوفاء بالشرط فقال : احتكمي ما أحببت ، فهذه الأموال والخزائن بين يديك ؛ فقالت : ما أريد غير الملك ؛ فقال : ويحك إنك لست من أهل بيت الملك ، وقد علمت ما في هذا على الملك ؛ فقالت : قد كان الملوك قبلك يغصبون نساء الناس ويلدن منهم ولا يسألون عن ولاداتهم ، وأنا ابنة فلان رئيس الكهنة ، ويوشك أن يحتاج الملك إلي بعد هذا . ولم تزل به حتى انصرف قلبه إليها ، فتزوجها وأحبها وحظيت عنده . فضاقت الأرض

الصفحة 63