كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 64 """"""
بامرأة أبيه فأخذت في أعمال الحيلة عليها ؛ فدست جارية لها عاقلة لطيفة على ساقي الملك الذي يتولى شرابه ، فاختلطت بجواريه حتى تمكنت من إناء كان فيه شراب للملك فألقت فيه سماً وعادت في الوقت إلى مولاتها وأخبرتها ، فدخلت إلى الملك فسجدت له وقالت : قد كنت للملك ناصحة ، وعليه مشفقة ، فأقصاني واختص هذه الساحرة الفاجرة ، وقد سمت شرابه في إناء من صفته كذا وكذا ، فليسقها الملك منه ليعلم صدقي ؛ فدعا الملك بالإناء فوجده على ما ذكرت ، فاحضر الساحرة ، وأمرها بشرب قدح منه فشربته ولم تعلم ما فيه فسقط لحمها من عظمها . فأمر بدفنها في ناووس وزبر عليه اسمها وما همت به وما صار أمرها إليه ، وعاد إلى امرأة أبيه وتزوج بها وحسنت حالها عنده . قال : وفي أيامه عمل المنار على بحر القلزم وجعلت على رأسه مرآة من أخلاط تجتذب المراكب على شاطئ البحر ، فلا يمكنها أن تبرح أو تعشر ، فإذا عشرت سترت المرآة فتجوز المراكب .
قال : وأقام قرسون ملكاً مائتين وستين سنة ؛ وقد كان عمل لنفسه ناووساً خلف الجبل الأسود الشرقي ، وجعل في وسطه قبة فيها اثني عشر بيتاً ، في كل بيت أعجوبة لا تشبه الأخرى ، وزبر عليها اسمه ومدة ملكه . قال : وملك بعده ثلاثة أو أربعة . فهؤلاء الذين سماهم من أولاد أتريب ممن ملك منهم . والله أعلم .
ذكر أخبار صا بن قبطيم بن مصريم بن بيصر بن حام ابن نوح عليه السلام
قال : ولما قسم قبطيم الأرض بين بنيه الأربعة كما تقدم وانتقل كل واحد منهم إلى حيزه ، خرج صا بأهله وولده وحشمه إلى حيزه ، وهو بلد البحيرة وما يليها إلى برقة ، ونزل مدينة صا ، وذلك قبل أن تبنى الإسكندرية . وكان صا أصغر ولد أبيه وأحبهم إليه ، فلما ملك حيزه أمر بالنظر في العمارة ، وبنى المدائن والبلدان والهياكل ، وعمل في إظهار العجائب كما صنع إخوته ، وطلب الزيادة في ذلك . وكان مرهون

الصفحة 64