كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 65 """"""
الهندي صاحب بنائه ، فبنى له من حد صا إلى حد لوبية ومراقية على عبر البحر أعلاماً ، وجعل على رءوس تلك الأعلام مرايا من أخلاط شتى : فكان منها ما يمنع من دواب البحر وأذاهم ، ومنها ما إذا قصدهم عدو من الجزائر الداخلة وأصابها الشمس ألقت شعاعها على مراكبهم فأحرقتها ، ومنها ما يرى المدائن التي تجاورهم من عدوة البحر وما يعمله أهلها ، ومنها ما ينظر منها إلى إقليم مصر فيعلم ما يخصب وما يجدب من ه في كل سنة . وجعل فيها حمامات توقد من نفسها ومستشرفات . وكان كل يوم في موضع منها بمن يخصه من حشمه وخدمه ، وجعل حولها بساتين وسرح فيها الطيور المغردة والوحش المستوحش والمستأنس والأنهار المطردة والرياض المونقة ، وجعل شرف القصر من حجارة ملونة تلمع إذا أصابتها الشمس فتنشر شعاعها على ما حولها ؛ ولم يدع شيئاً من آلة النعمة والرفاهية إلا استعمله . فكانت العمارة ممتدة إلى برقة في رمال من رشيد إلى الإسكندرية إلى برقة . وكان الرجل يسافر في أرض مصر لايحتاج إلى زاد لكثرة الفواكه والخيرات ، ولا يسير إلا في ظلال تستره من الشمس . وعمل في تلك الصحاري فصوراً وغرس فيها غروساً ، وساق إليها من النيل أنهاراً . وكان يسلك من الجانب الغربي إلى حد الغرب في عمارة متصلة .
قال : فلما انقرض أولئك القوم بقيت آثارهم في تلك الصحارى وخربت تلك المنازل وباد أهلها . قال : ولا يزال من دخل تلك الصحارى يحكى ما رأى فيها من الآثار والعجائب .
قال : ومن ملوكهم مرقونس ؛ وكان فاضلاً حكيماً ، محباً للنجوم والحكمة ، فعمل في أيامه ردهم إذا ابتاع به صاحبه شيئاً اشترط أن يزن له ما يبتاعه منه بوزن الردهم ولا يطلب عليه زيادة ، فيغتر البائع بذلك ويقبل الشرط ، فإذا تم ذلك بينهما وقع في وزن الردهم أرطال كثيرة تسوي عشرة أضعافه ، وإن أحب أن يدخل في وزنه أضعاف تلك الأرطال دخل . قال : وقد وجد في كنوزهم في أيام بني

الصفحة 65