كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 66 """"""
أمية ، فكان الناس يتعجبون منه . وقد كانوا وجدوا درهماً آخر قيل إنه عمل في وقته أيضاً يكون في ميزان الرجل ، فإذا أراد أن يبتاع حاجة أخذ الدراهم من ميزانه وقلبه وقال : اذكر العهد ، ومضى فابتاع به ما أراد ، فإذا أخذ السلعة ومضى إلى بيته وجد الدرهم قد سبقه إلى منزله ، ووجد البائع حيث وضعه ورقة آس أو قرطاس أو مثل ذلك بدور الدرهم .
وقيل : إن في وقته عملت الآنية الزجاج التي توزن ، فإذا ملئت ثم وزنت لم تزد على وزنها الأول شيئاً ، وهي تحمل من الماء بوزنها . وعمل أيضاً في وقته الآنية التي إذا جعل الماء فيها صار خمراً في لونه ورائحته وسكره .
قال : وقد وجد من هذه الآنية بإطفيح في إمارة هارون بن خمارويه بن أحمد ابن طولون شربة جزع بعروة زرقاء ببياض . وكان الذي وجدها أبو الحسن الصائغ الخراساني هو ونفر معه ، فجلسوا ليأكلوا على عبر النيل وشربوا الماء بها فوجدوه خمراً فسكروا منه ورقصوا ، فوقعت الشربة فانكسرت على عدة قطع ، فاغتم الرجل وجاء بها إلى هارون مكسورة ، فأسف عليها وقال : لو كانت صحيحة لاشتريتها ببعض ملكي . وفي أيامه عملت الصورة الحنتمية من الضفادع والخنافس والذباب والعقارب وسائر الحشرات ، فكانت إذا جعلت في موضع من المواضع اجتمع إليها ذلك الجنس بعينه ولا يقدر أن يفارقها حتى يقتل . وعمل في صحراء الغرب ملعباً من زجاج ملون ، وجعل في وسطه قبة من الزجاج خضراء صافية اللون ؛ وكانت إذا طلعت عليها الشمس ألقت شعاعها على المواضع البعيدة . وعمل من أربع جهاته أربعة مواضع عالية من الزجاج ، كل مجلس منها بلون ، ونقش كل مجلس منها بما يخالف لونه من الطلسمات العجيبة والنقوش الغريبة والصور البديعة ؛ كل ذلك من زجاج مطابق يشف . وكان يقصد هذا الملعب ويقيم فيه الأيام الكثيرة .
وعمل له ثلاثة أعياد في كل سنة ، فكانوا يحجون إليه ويذبحون له ويقيمون فيه سبعة أيام ؛ فلم يزل ذلك الملعب بحاله تقصده الأمم لتنظر إليه لأنه لم يكن له نظير ولا شكل ، ولا عمل في العالم مثله إلى أن هدمه بعض الملوك لأنه تعاطى مثله فلم يقدر على ذلك .

الصفحة 66