كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 67 """"""
وكانت أم مرقونس ابنة ملك النوبة ، وكان أبوها يعبد نجماً يقال له السها ، ويسميه إلهاً ، فسألت ابنها أن يعمل لها هيكلاً ويفردها به ، فعمله لها وصفحه بالذهب والفضة وأقام فيه صنماً وأرخت عليه ستور الحرير ، فكانت تدخل إليه مع جواريها وحشمها وتسجد له كل يوم ثلاث مرات . وعملت في كل شهر عيداً تقرب له فيه القرابين وتبخرج ليله ونهاره ، ونصبت له كاهناً من النوبة فكان يقوم به ويبخر ويقرب له ، ولم تزل حتى سجد ودعا الناس إلى عبادته .
قال : ولما رأى الكاهن أن الأمر قد أحكم له من جهة الملك في عبادة الكواكب ، أحب أن يكون له مثالاً في الأرض على صورة شيء من الحيوان يتعبد له ليكون حذاء عينيه ؛ فأقام يعمل الحيلة في ذلك إلى أن اتفق بمصر كثرة العقبان حتى أضرت بالناس ، فأحضره الملك وسأله عن كثرتها فقال : إن إلهك أرسلها لتعمل له نظيراً يسجد له . فقال الملك : إن كان ذلك يرضيه فأفعله ، فعمل تمصال عقاب طوله ذراعان في عرض ذراع من ذهب مسبوك ، وعمل عينيه من ياقولتين ، وعمل له وشاحين من لؤلؤ منظوم على أنابيب جوهر أخضر ، وجعل في منقاره كرة معلقة وسروله بادرك أحمر ، وأقامه على قاعدة من فضة منقوشة ، وركبها على قائمة زجاج أزرق ، وجعله في أزج عن يمين الهيكل ، وألقى عليه ستور الحرير ، وجعل له دخنة معمولة من جميع الأفاويه والصمغ ، وقرب له بعجل اسود وبكارة الفراريج وبواكير الفواكه والرياحين . فلما تمت له سبعة أيام دعاهم إلى السجود له فأجابوه . ولم يزل الكاهن يجهد نفسه في عبادته ، وعمل له عيداً دعاهم فيه إلى أن يبخر له في أنصاف الشهور بالندل وترش الهياكل بالخمر العتيقة التي تؤخذ من رءوس الجوابي ، ونطق لهم العقاب وعرفهم أنه أوال عنهم العقبان وضررها ؛ وكذلك يفعل في غيرها مما يخافون ؛ فسر الكاهن بذلك ووجه إلى أم الملك فعرفها ذلك فصارت إلى الهيكل ، فلما سمعت كلام العقاب سرها ذلك وأعظمته ، وبلغ الملك خبره فركب إلى الهيكل حتى خاطبه وأمره ونهاه ، فسجد له وأقام له سدنة وأمر أن يزين بأصناف الزينة ، وكان الملك يقوم بذلك الهيكل ويسجد تلك الصورة ويسألها عما يريد فتخبره .

الصفحة 67