كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 68 """"""
وعمل من الكيمياء والذهب مالم يعمله أحد من الملوك . فيقال : إنه دفن في صحراء الغرب خمسمائة دفين . ويقال : إنه عمل على باب صا عموداً وجعل عليه صنماً في صورة امرأة جالسة وفي يدها مرآة ينظر فيها العليل أو ينظر له أحد فيها فإن كان يموت رآه ميتاً ، وإن كان يعيش رآه حياً ؛ والماسفر ، فإن كان مقبلاً بوجهه أنه راجع ، وإن رآه مولياً علموا أنه متماد ، وإن كان مريضاً أو ميتاً رأوه كذلك . وعمل بالإسكندرية صورة راهب جالس على قاعدة وعلى رأسه كالبرنس وفي يده كالعكاز إذا مر به تاجر جعل بين يديه شيئاً من الذهب على قدر بضاعته ، وإن حاذاه عن بعد ولم يفعل ذلك لم يقدر على الجواز ويبيت قائماً مكانه ، فكان يجتمع من ذلك مال عظيم يفرق في الزمني والفقراء . وعمل في وقته كل أعجوبة طريفة ، وأمر أن يزبر اسمه عليها وعلى كل علم وكل طلسم وصنم . وعمل لنفسه ناووساً في داخل أرض الغرب عند جبل يقال له سدام ، وعمل تحته رحىً طوله مائة ذراع في ارتفاع ثلاثين ذراعاً في عرض عشرين ذراعاً ، وصفحه بالمرمر والزجاج الملون المسبوك وسقفه بالحجارة الصافية ، وعمل فيما دار به مصاطب لطافاً مبلطة بالزجاج ، وعمل على كل مصطبة فيها أعجوبة وتمثالا مما عمل في وقته ، وعمل في وسط الأزج دكة من زجاج ملون ، على كل ركن من أركانها صورة تمنع من الدنو إليها ، وبين كل صورتين كالمنارة عليها حجر مضيء ، وجعل في وسط الدكة حوضاً من ذهب يكون جسده فيه بعد تضميده بالأدوية الممسكة ، ونقل إليه ذخائره من الجوهر والذهب وغير ذلك ، أمر أن يسد باب الأزج بالصخور والرصاص وتهال عليه الرمال . وكان ملكه ثلاثاً وسبعين سنة ، وعمره مائتين وأربعين سنة ، وكان جميلاً ذا وفرة حسنة عامة نسائه بعده ولزمن الهيكل .
وعهد بالملك إلى ابنه أنساد بن مرقونس ؛ فملك بعد أبيه وهو غلام ابن خمس وأربعين سنة ، وكان معجباً جباراً طماح العين ، فنكح امرأة من نساء أبيه وانكشف أمره معها ، وكان أكبر همه اللهو واللعب ، فجمع كل ملة كان في مملكته كل من

الصفحة 68