كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 69 """"""
هذه سبيله ، وجعل تدبير الملك إلى وزير له يقال له مسرور ، ورفض العلوم والهياكل والكهنة والنظر في أمور الناس . وعمل قصوراً من خشب عليها قباب من خشب منقوشة مموهة وجعلها على أطراف في النيل ، فكان يشرب عليها مع من يحبه من نسائه وخدمه ومن يلهيه .
وعمل عجلاً في البر وحمل عليها الأروقة المذهبة وفرشها بفاخر الفرش ، فكان يتنزه عليها ويجرها البقر ويقيم في نزهته شهوراً لا يمر بموضع نزه إلا أقام فيه أياماً . وولد من الشجر توليداً كثيراً . واستنفد أكثر ما في خزائن أبيه لجوائز المهين والنفقات في غير وجه . فلما أسرف في ذلك اجتمع الناس إلى وزيره فأنكروا عليه حاله وسألوه مسألته والمشورة عليه أن يقع عما هو عليه فضمن لهم ذلك ، وفاوضه فيه فلم ينته عنه ، وسلط أصحابه على الناس فأساءوا إليهم وأضروا بهم . وخرج في بعض الأيام إلى متنزه كان له قد صفح مجالسه بصفائح الذهب والفضة ، وغريب الزجاج الملون ، والجواهر المخروطة ، الصهاريج المرخمة الملونة ، وأمال إليه المياه ، وغرس فيه الرياحين والثمار ، وفرش مجالسه بأصناف الفرش ؛ وكان إذا احب أن يخلو بامرأة من نسائه خلا بها هناك ؛ فإنه في ذلك المكان ، وقد أقام به أياماً ، إذ خرج غلام لبعض حرمه فأتى بعض التجار في حاجة أراد أخذها بغير ثمن ، فمنعه التجار منها ، فوثب بهم فضربوه حتى أسالوا دمه وحمل ، واتصل الخبر بالوزير وصاحب الجيش فركبا إلى الموضع وأنكرا على الناس فأغلظوا لهما ، فانصرفا وعرفا الملك الخبر ، فأراهما أنه لم يحفل بذلك ، وأمر بالنداء في الناس من تعرض لكم من خدم الملك وأصحابه بأذى فاقتلوه ، فشكره الناس وحمدوا فعله على ذلك ، وتواصلوا بالوثوب على أصحابه ، حتى إذا مضى لذلك أسبوع وجه الملك إلى الوزير وصاحب الجيش فعرفهما أنه قد عزم على الركوب إلى صحراء الغرب يتصيد هناك ، وأمر أن يركب معه الجيش ويتزودوا لثلاثة أيام ففعلوا ، وخرج إلى البرية فسار حتى إذا اختلط الظلام رجع الجيش حتى وافى باب المدينة ، وأمر أصحابه أين يضعوا السيف في الناس فقتلوا خلقاً كثيراً ، ثم أمر أن ينادي : هذا جزاء من أقدم على الملوك من رعاياهم وأصحاب منهم ، وأخرب الموضع الذي ضرب فيه الغلام ، فاستغاث به الناس ، فتقدم إلى وزيره أن يطرح نفسه بين يديه ويسأله فيهم ، فعل وأمنهم وقال :

الصفحة 69