كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 70 """"""
من عاد إلى مثل ما كان فقد حل لنا دمه ، فدعوا له وانصرفوا . ثم احتجب عن الناس واستخف بالكهنة والهياكل فأبغضته العامة والخاصة وبغوا الغوائل فاحتال عليه خاصته بطباخه وساقيه فسماه وهو ابن مائة وعشرين سنة فمات .
وصار الملك من بعده إلى ابنه صا بن أنساد بن مرقونس ؛ قال : وأكثر القبط تزعم أن صا بن مرقونس أخو أنساد . فملك وهنأه الناس ، فوعدهم بالعدل فيهم ، والإحسان إليهم ، وحسن النظر لهم ، وسكن منف وحكم الأحياز كلها ، وعمل بها عجائب وطلسمات ، ورد الكهنة إلى مراتبهم ، ونفى الملهين وأهل الشر من كان يصحب أخاه ، ونصب العقاب الذي كان أبوه عمله ، وشرف هيكله ودعا إليه . وعمل في منف مرة كان يرى منها ما يخصب من بلده وما يجدب . وبنى بداخل الوحات مدينة غرس حولها نحلاً كثيراً . ونصب قرب البحر أعلاماً كثيرة . وعمل خلف المقطم صنماً يقال له صنم الحيلة ، فكان كل من تعذر عليه أمر يأتيه فيبخره عليه ذلك الأمر . وجعل على أطراف مصر أصحاب أخبار يرفعون إليه ما يجري في حدودهم . وعمل على غربي النيل منائر يوقد عليها إذا قصدهم قاصد أو نابهم أمر . ويقال : إنه بنى أكثر منف وكل بنيان عظيم بالإسكندرية .
قال : وكان لما ملك البلد بأسره جمع الحكماء إليه ونظر في النجوم - وكان بها حاذقاً - فرأى أن بلده لا بد أن تغرق بالطوفان من نيلها ، ورأى أنها تخرب على يد رجل يأتي من ناحية الشام ، فجمع كل فاعل بمصر وبنى في ألواح الأقصى مدينة جعل طول حصنها في الارتفاع خمسين ذراعاً وأودعها جميع الحكم والأموال .
وبنى المدينة التي وقع عليها موسى بن نصير في زمن بني أمية ، وكان قد أخذ على ألواح الأقصى ، وكان عنده علم منها ، وأقام سبعة أيام يسير في رمال وصحارى سمت الغرب والجنوب إلى أن ظهرت له مدينة عليها حصن وأبواب حديد ،

الصفحة 70