كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 71 """"""
فاصعد إليها الرجال ليقفوا على ما فيها لما لم يمكنه فتح أبوابها . ولغلبة الرمال على ما حولها ؛ فكانوا إذا علوا الحصن وأشرفوا عليها وثبوا إليها ؛ وعرض حصنها عشرون ذاعاً ؛ فلما أعياه أمرها تركها ومضى ، فهلك في تلك الطريق جماعة من أصحابه . فلم يسمع بأحد بعد موسى بن نصير ولا قبله وقع عليها .
قال : وفي تلك الصحارى أكثر منتزهاتهم ومدائنهم العجيبة ؛ إلا أن الرمال غلبت عليها . ولم يبق بمصر إلا وقد عمل للرمال دفعا ثم تفسد طلسماتهم على تقادم الأيام .
وقال : وحكى قوم من التناء في ضياع الغرب : أن عاملاً من عمالهم عنف بهم فهربوا ودخلوا في صحراء الغرب وحملوا معهم زاداً إلى أن يصلح أمرهم ويرجعوا إلى بلادهم ، وكانوا على يوم وبعض آخر قد لحجوا في سفح الجبل ، فوجدوا عيراً أهلياً قد خرج من بعض شعابه ، فتبعه نفر منهم ، فأخرجهم إلى مساكن وأشجار ونخل ومياه تطرد وقوم يسكنون هناك ويزرعون ، فخاطبوهم وعجبوا منهم وسألوهم عن حال فعرفوهم أنهم منذ كانوا سكنوا تلك الناحية ويتناسلون ويزرعون ولا يطالبهم أحد بخراج ولا يؤذيهم ، وأنهم لم يدخلوا إلى ضياع الغرب قط ، وقالوا لهم انتقلوا إلينا ؛ فخرج القوم بعد أن صلحت أمورهم واجتمعوا على الرجوع إلى ذلك الموضع والسكنيى فيه بأهليهم ومواشيهم ، فخرجوا يطلبون الطريق مدة فما عرفوا الطريق ولا تأتي لهم الوصول إليه بعد ذلك فأسفوا على مافاتهم منه .
وحكي أيضاً عن آخرين ضلوا الطريق في الغرب ، فوقفوا على مدينة عامرة ، كثيرة الناس والمواشي والنخيل والشجر ، فأضافوهم وأكلوا عندهم وشربوا ، وباتوا في طاحونة يعمل فيها الخبز ، فسكروا من الشراب وناموا ، فلم ينتبهوا إلا عند طلوع الشمس ، فوجدوا أنفسهم في مدينة كبيرة خراب ليس فيها أحد ، فارتاعوا لذلك وخرجوا على وجوههم كالهاربين ، وساروا يومهم على غير سمت حتى قرب

الصفحة 71