كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 73 """"""
قال : وذكر بعض القبط أن رجلاً نم بني الكهنة الذين قتلهم أنساد إلى ملك الإفرنجة فذكر له كنوز مصر وعجائبها وخيرها ، وضمن له أن يوصله إلى ملكها وأموالها ، ويدفع عنه أذى طلسماتها حتى يبلغ ما يريده ويعرفه مواضع الكنوز .
فلما اتصل بصا الملك أن صاحب الإفرنجة يتجهز إليه ، عمد إلى جبل بين البحر المالح وشرقي النيل فأصعد إليه أكثر كنوزه وما في خزائنه ، وبنى عليها قباباً وصفحها بالرصاص ، وأمر ففتحوا جوانب الجبل إلى منتهى خمسين ذراعاً ، وجعلوا في انتهاء المنحوت منه شبه الطرر البارزة خارجة من النحت بقدر مائة ذراع وهو بين جبال وعرة ، فحصن أمواله هناك . وتجهز إليه صاحب الإفرنجة في ألف مركب ، فكان لا يمر بشيء من أعلام مصر ومناراتها وأصنامها إلا هدمه وكسره بمعونة الكاهن له .
حتى أتى الإسكندرية الأولى فعاث فيها وهدم كثيراً من معالمها إلى أن دخل النيل من ناحية رشيد وصعد إلى منف فحاربه أهل النواحي ، وجعل ينهب ما مر به ويقتل من قدر عليه إلى أن طلب المدائن الداخلة ليأخذ كنوزها فوجدها ممتنعة بالطلسمات الشداد والمياه العميقة والخنادق الشداخات ، فأقام عليها أياماً كثيرة يعالج أن يصل إليها ، فلما لم يمكنه ذلك قتل الكاهن ، وهلك جماعة من أصحابه ، واجتمع أهل النواحي على مراكبه وأصحابه فقتلوا منهم خلقاً وأحرقوا بعض المراكب . ولما تيقن أهل مصر تلف الكاهن الذي كان معه أرسلوا إليه سحرهم وتهاويلهم ، وأتت مع ذلك رياح غرقت كثيراً من مراكبه ، وكان جل مرامه أن ينجو بنفسه فما عاد إلى الإفرنجة إلا وقيذا بجراحات أصابته ، ورجع الناس إلى منازلهم وقراهم ، ورجع صا إلى منف فأقام بها وترك ماكنزه على حاله .
قال : ولم يزل بعد ذلك يغزو بلاد الروم وأهل الجزائر ويخربها فهابته الملوك ، وتتبع الطهنة فقتل منهم خلقاً ، وأقام سبعاً وستين سنة ، وكانت سنة مائة وسبعين سنة وهلك ، فدفن بمنف في ناووس عمله وسط المدينة من تحت الأرض ، وجعل المدخل إليه من خارج المدينة من الجهة الغربية ، وحمل إليه أموالاً عظيمةً وجواهر كثيرة ، وتماثيل وطلسمات وغير ذلك كما فعل أجداده . وكان فيه أربعة آلاف تمثال ذهب على صور شتى برية وبحرية ، وتمثال عقاب من جوهر أخضر جعل عند رأسه ، وتمثال تنين من ذهب مشبك عند رجليه ونزبر عليه اسمه وسيرته وغلبته للملوك .

الصفحة 73