كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 74 """"""
وعهد إلى ابنه تدارس بن صا ؛ فملك الأحياز كلها بعد أبيه وصفا له ملك مصر . وكان محنكاً مجرباً ذا أيد وقوة ومعرفة بالأمور ؛ فأظهر العدل ، وأقام الهياكل وأهلها قياماً حسناً . وبنى غربي منف بيتاً عظيماً للزهرة وزبر جميع الأخبار - وكان صم الزهرة من لازورد مذهب متوجاً بذهب - وسوره بسوارين من الزبرجد الأخضر ؛ وكان في صورة امرأة لها ضفيرتان من ذهب أسود مدبر ، وفي رجليها خلخالان من حجر احمر شفاف ونعلان من ذهب ، وفي يدها قضيب مرجان وهي تشير بسبابتها كالمسلمة على من في الهيكل ، وجعل حذاءها من الجانب الآخر تمثال بقرة ذات قرنين وضرعين من نحاس أحمر مموه بذهب موشحة بحجر اللازورد ، ووجه البقرة محاذياً لوجه الزهرة ، وجعل بينهما مطهرة من أخلاط للأجساد على عمود رخام مجزع فيها ماء مدبر يستشفى به من كل داء ، وفرش الهيكل بحشيشة الزهرة يبدلونها في كل سبعة أيام ، وجعل فيه كراسي للكهنة مصفحة بذهب وفضة ، وقرب له ألف رأس من الضأن والمعز والوحش والطير ، وكان يحضر يوم الزهرة ويطوف به . وكانت فرش الهيكل وستوره عن يمين الزهرة ويساره . وكان في قبته صورة رجل راكب على فرس له جناحان وله حربة في سنانها راس إنسان معلق ، وبقي هذا إلى زمان بخت نصر وهو الذي هدمه . ويقال : إن تدارس الملك هذا هو الذي حفر خليج سخا ، وارتفع مال البلد في أيامه مائة ألف ألف دينار وخمسين ألف ألف دينار . وقصده بعض عمالقة الشام فخرج إليه واستباحه ودخل إلى فلسطين فقتل منها خلقاً كثيراً وسبى بعض حكمائها وأسكنهم مصر وهابته الملوك .
قال : وعلى رأس ثلاثين سنة من ملكه طمع السودان من الزنج والنوبة في أرضه فعاثوا وأفسدوا ، فأمر بجمع الجيوش وأعد المراكب ووجه قائداً من قواده يقال له : بلوطس في ثلثمائة ألف ، وقائداً آخر في مثلها ، ووجه في البحر ثلثمائة سفينة في

الصفحة 74