كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 75 """"""
كل سفينة كاهن يعمل أعجوبة من العجائب ثم خرج في جيوش كثيرة ، فلقي جموع السودان وكانوا في زهاء ألف ألف فهزموهم ، وقتلوا أكثرهم أبرح قتل ، وأسر منهم خلقاً كثيراً ، وتبعهم حتى وصل إلى أرض الفيلة من بلاد الزنج فأخذ منها عدة من النمور والوحش وذللها وساقها معه إلى مصر . وعمل على حدود بلده منارات وزبر عليها مسيره وظفره والوقت الذي سار فيه . ولما وصل إلى مصر اعتل ورأى رؤيا تدل على موته ، فعمل لنفسه ناووساً ونقل إليه شيئاً كثيراً من أصنام الكواكب والذهب والجوهر والصنعة والتماثيل وهلك ؛ فحمل إليه وزبر عليه اسمه وتاريخ الوقت الذي هلك فيه ، وجعل عليه طلسماً تمنع منه .
وعهد إلى ابنه ماليق بن تدارس ؛ فملك بعد أبيه . وكان غلاماً كريماً حسن الوجه ، مجرباً ، مخالفاً لأبيه وأهل بلده في عبادة الكواكب والبقر .
ويقال : إنه كان موحداً على دين أجداداً قبطيم ومصريم ، وكانت القبط تذمه لذلك . وكان سبب إيمانه فيما حكي أنه رأى في منامه أن رجلين لهما أجنحة أتياه فاختطفاه وحملاه إلى الفلك ، فأوقفاه بين يدي شيخ اسود أبيض الرأس واللحية ، فقال : هل عرفتني ؟ فدخلته فزعة الحداثة ، وكانت سنة نيفاً وثلاثين سنة ، فقال له : ما أعرفك فقال : أنا قرويس ، يعني زحل ، فقال : قد عرفتك ، أنت إلهي ، فقال : إنك وإن كنت تدعوني إلهاً فإني مربوب مثلك ، وإلهي الذي خلق السموات والأرض وخلقني وخلقك ، فقال : وأين هو ؟ فقال : هو في العلو لا تراه العيون ، ولا تلحقه الأوهام ، وهو الذي جعلنا سبباً لتدبير العالم الأسفل . قال له ماليق الملك : فكيف أعمل ؟ قال : تضمر في نفسك ربوبيته علينا . وتخلص في وحدانيته وتعرف بأزليته . ثم إنه أمر الرجلين فأنزلاه ؛ فانتبه وهو مذعور ، فدعا رأس الكهنة فقص عليه رؤياه فقال : قد نهاك عن عبادة الأوثان فإنها لا تضر ولا تنفع ، فقال له : من أعبد ؟ قال : الله الذي خلق السموات والكواكب التي فيها والأرض ومن عليها . فكان الملك يحضر الهيكل فإذا سجد انحرف عن الصنم واضمر السجود لخالق السموات والأرض دون غيره ، ثم أخذ في الغزو والغيبة عن أهل مصر وجال في البلدان . قال : وقال بعض أهل مصر : إن الله تعالى أيده بملك من الملائكة يعضده ويرشده ، وربما أتاه في نومه أن يأمر الناس باتخاذ كل فأره من الخيل ،

الصفحة 75