كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 8 """"""
كما يضيء السراج واكثر منه ضوءاً ، وأقام له سدنة ، وعمل له سبعة أعياد في السنة . وقيل : إن مصر سميت به . وتسمى به مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح بعد الطوفان لأنه وجد اسمه مزبوراً على الحجارة . وكان فليمون الكاهن أخبرهم أخبار هؤلاء الملوك . وكان مصرام هذا قد ذلل الأسد في وقته فكان يركبها . وصحبه الروحاني الذي كان مع أبيه لما رأى من حرصه على لوازم الهياكل والقيام بأمور الكواكب ، وأمره أن يحتجب عن الناس . وألقى على وجهه بسحره نوراً عظيماً لا يقدر أحد أن يتمكن من النظر إليه . فادعى أنه إله ، وغاب عن الناس ثلاثين سنة ، واستخلف عليهم رجلاً من ولد غرناب وكان كاهناً . ويقال : إن مصرام ركب في عرش وحملته الشياطين حتى انتهى إلى وسط البحر الأسود ، فعمل فيه القلعة الفضة وجعل عليها صنمين من النحاس وزبر عليها : أنا مصرام الجبار ، كاشف الأسرار ، الغالب القهار ، صنعت الطلسمات الصادقة ، وأقمت الصور الناطقة ، ونصبت الأعلام الهائلة على البحار السائلة ، ليعلم من بعدي أنه لا يملك أحد ملكي ، وكل ذلك في أوقات السعادة .
وكان قد عمل في جنته شجرة مولدة يؤكل منها جميع الفواكه ، وقبة من زجاج أحمر على رأسها صنم يدور مع الشمس ، ووكل بها شياطين إذا اختلط الظلام نادوا : لا يخرج أحد من منزله حتى يصبح وإلا هلك ، وكان أول من عمل له ذلك .
و أمرهم أن يجتمعوا له ، وجلس لهم في مجلس عال مزين بأصناف الزينة وتجلى لهم في صورة هالتهم وملأت قلوبهم رعباً ، فخروا على وجوههم ودعوا له . فأمر بإحضار الطعام والشراب فأكلوا وشربوا ورجعوا إلى مواضعهم ثم لم يروه بعد . وبلغ بكهانته ما لم يبلغه أحد من آبائه .
ثم ملك بعده عنقام الكاهن ؛ فعدل فيهم ، وعمل مدينة عجيبة قرب العريش جعلها لهم حرساً . وقيل : إن إدريس عليه السلام رفع في زمانه . قال : ويحكى عنه أهل مصر حكايات كثيرة تخرج عن العقول . وكان قد رأى في علمه كون الطوفان ، فأمر الشياطين التي تصحبه أن تبنى له مكاناً خلف خط الاستواء بحيث لا يلحقه الفساد ، فبنى له القصر الذي في سفح جبل القمر ، وهو قصر النحاس الذي فيه التماثيل ، وهي خمسة وثمانون تمثالاً ، يخرج ماء النيل من حلوقها وينصب إلى بطيحة .
ولما عمل له ذلك القصر أحب أن يراه قبل أن يسكنه ، فجلس في قبته وحملته الشياطين على أعناقها إليه . فلما رأى حكمة بنيانه وزخرفة حيطانه ومافيه من النقوش وصور الأفلاك

الصفحة 8