كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 104 """"""
هذه البلاد مهاجره ، وكنت أرجوايبعث فأتبعه ، وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه إذا خرج يا معشر يهود ، فانه يبعث بسفك الدماء ، وسبي الذراري والنساء ممن خالفه ، فلا يمنعكم ذلك منه . ثم مات ؛ فلما كانت الليلة التي فتحت فيها قريظة قال أولئك الثلاثة الفتية ، وكانوا شباباً أحداثاً : يا معشر يهود : والله انه للنبي الذي ذكر لكم ابن الهيبان ، فقالوا : ما هو به ، قالوا : بلى والله انها لصفته ، ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم ؛ فلما فتح رسول الله الحصن رد ذلك عليهم .
ومنه ما روىاعبد الله بن مسعود كان يحدث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال : خرجت إلى اليمن في تجارة قبلايبعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فنزلت على شيخ من الأزد عالم ، قد قرأ الكتب وحوى علماً كثيرا وأتى عليه من السن ثلاثمائة وتسعون سنة ، فلما تأملني قال : أحسبك تيمياً فقلت : نعم ، انا من تيم ابن مرة ؛ انا عبد الله بن عثما بن عامر وبن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، قال : بقيت لي فيك واحدة ، قلت : ما هي ؟ قال : اكشف لي عن بطنك ، قلت : لا أفعل أو تخبرني لم ذلك ، فقال : اني لأجد في العلم الصحيح الصادقانبياً يبعث بالحرم يعاونه على أمره فتًى وكهل ، فأما الفتى فخواض غمرات ، وكشاف معضلات ، وأما الكهل فأبيض نحيف ، على بطنه شامة ، وعلى فخذه اليسرى علامة ، ولا عليكاتريني ما خفى علي ؛ قال أبو بكر رضي الله عنه : فكشفت له عن بطني ، فرأى شامةً سوداء فوق سرتي ، فقال : هو انت ورب الكعبة ، واني متقدم إليك في أمرٍ فاحذره ، قلت : وما هو ؟ قال إياك والميل عن الهدى وتمسك بالطريقة المثلى ، وخف الله عز وجل فيما أعطاك وخولك .
قال أبو بكر رضي الله عنه : فقضيت باليمن أربي ، ثم أتيت الشيخ لأودعه ، فقال : أحاملٌ انت مني انباءً إلى ذلك النبي ؟ قلت : نعم ، فانشأ يقول :
ألم تر اني قد سئمت معاشري . . . ونفسي وقد أصبحت في الحي راهنا
حييت وفي الأيام للمرء عبرةٌ . . . ثلاث مئين ثم تسعين آمنا

الصفحة 104