كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 112 """"""
ومن ذلك ما روىامرثد بن عبد كلال ففل من غزاة غزاها بغنائم عظيمة ، فوفد عليه زعماء العرب وشعراؤها وخطباؤها يهنونه ؛ فرفع الحجاب عن الوافدين ، فأوسعهم عطاءً ، واشتد سروره بتقريظ الخطباء والشعراء ، فبينا هو على ذلك أرى في المنام رؤيا أخافته وذعرته وهالته في حال منامه ، فلما انتبه انسيها حتى ما تذكر منها شيئا وثبت ارتياعه في نفسه لها فانقلب سروره حزنا فاحتجب عن الوفود حتى أساءوا الظن به ، ثم حشد الكهان ، فجعل يخلو بكاهن كاهن ثم يقول : أخبرني عما أريد ان أسألك ، فيجيبه الكاهن با لا علم عندي ، حتى لم يدع كاهناً علمه ، فتضاعف قلقه ، فقالت له أمه ، وكانت قد تكهنت : أبيت اللعن الكواهن أهدى إلى ما تسأل عنه ، لأن أتباع الكواهن من الجن ألطف من أتباع الكهان ، فأمر بحشر الكواهن إليه ، وسألهن كما سأل الكها فلم يجد عند واحدة منهن علم ما أراد علمه ، فلما يئس من طلبته سلا عنها ؛ ثم انه بعد ذلك ذهب يتصيد فأوغل في الصيد ، وانفرد عن أصحابه ، فرفعت له أبياتٌ في ذرى جبل وقد لفحه الهجير ، فعدل إلى الأبيات ، وقصد منها بيتاً منها كان منفرداً عنها فبرزت إليه منه عجوزٌ فقالت : انزل بالرحب والسعة ، والأمن والدعة ، والجفنة المدعدعة ، والعلبة المترعة ، فنزل عن جواده ودخل البيت ، فلما احتجب عن الشمس وخفقت عيلان لأرواح نام فلم يستيقظ حتى تصرم الهجير ، فجلس يمسح عينيه فإذا بين يديه فتاة لم ير مثلها جمالاً وقواما فقالت له : أبيت اللعن أيها الملك الهمام هل لك في الطعام ؟ فاشتد إشفاقه ، وخاف على نفسه لما رأى انها قد عرفته ، وتصامم عن كلمتها فقالت له : لا حذر ، فداك البشر ، فجدك الأكبر ، وحظنا بك الأوفر ، ثم قربت إليه ثريداً وقديداً وحيسا وقامت تذب عنه حتى انتهى أكله ثم سقته لبناً صريفاً وضريباً فشرب ما شاء ، وجعل يتأملها مقبلة ومدبرة فملأت عينيه حسنا وقلبه هوًى ، ثم قال لها : ما اسمك يا جارية ؟ قالت : اسمي عفيراء ، قال لها : من الذي دعوته الملك الهمام ؟ قالت : مرثد العظيم الشان ، الحاشر الكواهن والكهان ، لمعضله يعل بها الجان ، قال يا عفيراء : أتعلمين ما تلك المعضلة ؟ قالت : أجل أيها الملك الهمام ، انها رؤيا منام ، ليست بأضغاث أحلام ، قال : أصبت يا

الصفحة 112