كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 116 """"""
هذا الإمراج والارتجاج ، للقاح ذو نتاج ؛ قالوا : وما نتاجه ؟ قال : ظهور نبي صادق ، بكتاب ناطق ، وحسام والق ، قالوا : أين يظهر ؟ وإلام يدعو ؟ قال : يظهر بصلاح ؛ ويدعو إلى الفلاح ، ويعطل القداح ، وينهي عن الراح والسفاح ، وعن كل أمر قباح ؛ قالوا : ممن هو ؟ قال : من ولد الشيخ الأكرم ، حافر زمزم ، ومطعم الطير الحوم ، والسباع الصوم ؛ قالوا : وما اسمه ؟ قال : اسمه محمد ، وعزه سرمد ، وخصمه مكمد .
فهذه جملة كافية من أخبار الكهان . فلنذكر ما نطق به الجا من أجواف الأصنام ، وما سمع من الهواتف ، والله المستعان . وأما من بشر به عيلان لصلاة والسلام من الجا الذين نطقوا من أجواف الأصنام وما سمع من العتائر .
فمن ذلك ما روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في سبب إسلام عمر ، وانه كان قد ضمن لقريش قتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وخرج لذلك ، فمر بقومٍ من خزاعة وقد اعتمدوا صنماً لهم يريدون أن يتحاكموا إليه ، فقالوا لعمر : ادخل لتشهد الحكم ، فدخل معهم ، فلما مثلوا بين يدي الصنم سمعوا هاتفاً من جوفه يقول :
يأيها الناس ذوو الأجسام . . . ما أنتم وطائش الأحلام
ومسند الحكم إلى الأصنام . . . أصبحتم كراتع الأنعام
أما ترون ما أرى أمامي . . . من ساطعٍ يجلو دجى الظلام
قد لاح للناظر من تهام . . . وقد بدا للناظر الشامي
محمد ذو البرّ والإكرام . . . أكرمه الرحمن من إمام
قد جاء بعد الشّرك بالإسلام . . . يأمر بالصلاة والصيام
والبّر والصّلات للأرحام . . . ويزجر الناس عن الآثام
فبادروا سبقاً إلى الإسلام . . . بلا فتورٍ وبلا إحجام
قال : فتفرق القوم عن الصنم ولم يحضره يومئذٍ أحد إلا أسلم ؛ ثم ذكر ابن

الصفحة 116