كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 120 """"""
صائح يصيح من جوفه : اسمعوا إلى العجب ، وتوقعوا حادثا قد اقترب ، استراق السمع ذهب ، وترمى الجن بالشهب ، لنبي من العرب ، هاشمي النسب ، مولده بمكة ، ومهاجره يثرب ؛ قال : وهذا قبلايظهر أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومنه ما روى عن عبد الله بن ساعدة الهذلي انه قال : كنا نعبد صنماً يقال له سواع ، وكانت لي غنم فجربت فسقتها إليه وأدنيتها منه أرجو بركته ، فسمعت منادياً من جوف الصنم يقول : العجب كل العجب ، سدلت الحجب ، ورميت الجن بالشهب ، وسقطت النصب ، ونزل خير الكتب ، على خير العرب ؛ قال : فسقت غنمي وعدت إلى أهلي ، وقد بغضت إلى الأوثان ، فجعلت انقب عن الحوادث حتى بلغني ظهور رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأتيته فأسلمت .
وسنذكر إن شاء الله تعالى في خبر إسلام الجن ما هتفوا به فأسلم بسببه من أسلم لما سمعوا - ما تقف عليه هناك .
وحيث ذكرنا ما ذكرنا من المبشرات ، فلنذكر مبعثه ( صلى الله عليه وسلم ) .
ذكر مبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما بدئ به من النبوة
روى عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها انها قالت : أول ما بدئ به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصادقة ، لا يرى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رؤيا في نومٍ إلا جاءت كفلق الصبح ، وحبب الله إليه الخلوة ، فلم يكن شيء أحب إليه منايخلو وحده . وروى محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي عن عبد الملك بن عبيد الله بن أبي سفيا ابن العلاء بن حارثة الثقفي ، وكا واعيةً ، عن بعض أهل العلمارسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين أراده الله بكرامته ، وابتدأه بالنبوة ؛ كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ، ويفضى إلى شعاب مكة وبطون أوديتها فلا يمر بحجرٍ ولا شجرٍ إلا قال : السلام عليك يا رسول الله ، فيلتفت حوله منيمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة ؛ فمكث ( صلى الله عليه وسلم ) كذلك يرى ويسمع ما شاء اللهايمكث ، ثم جاءه جبريل بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في شهر رمضان .

الصفحة 120