كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 132 """"""
يعني جبلة بن حارثة أخا زيد ، ويزيد أخا زيد لأمه ، وهو يزيد بن كعب ابن شراحيل .
قال : فحج ناسٌ من كلب فرأوا زيداً فعرفهم وعرفوه ، وقال لهم : أبلغوا أهلي هذه الأبيات ، فاني أعلم انهم قد جزعوا علي ، فقال :
أحنّ إلى قومي وا كنت نائياً . . . فاني قعيد البيت عند المشاعر
فكفّوا من الوجد الذي قد شجاكم . . . ولا تعملوا في الأرض نصّ الأباعر فاني بحمد الله في خير أسرةٍ . . . كرام معدٍ كابرا بعد كابر
فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه ، فقال : ابني ورب الكعبة ، فوصفوا له موضعه وعند من هو ، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل لفدائه ، وقدما مكة ، فسألا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقيل : هو في المسجد ، فدخلا عليه فقالا : يا بن عبد المطلب ، يا بن هاشم ، يا بن سيد قومه ، أنتم أهل حرم الله وجيرانه ، تفكون العاني ، وتطعمون الأسير ، جئناك في ابننا عندك ، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه ؛ قال : ومن هو ؟ قالا : زيد بن حارثة ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : فهلاّ غير ذلك ؟ قالوا : وما هو ؟ قال : ادعوه فأخيره ، فا اختاركم فهو لكم ، وا اختارني فهو لي ، فوالله ما انا الذي أختار على من اختارني أحدا . قالوا : قد زدتنا على النصف وأحسنت إلينا فدعاه فقال : هل تعرف هؤلاء ؟ قال : نعم ، قال من هذا ؟ قال : أبي ، وهذا عمي ، قال : فانا من قد علمت ، وقد رأيت صحبتي لك ، فاخترني أو اخترهما فقال زيد : ما انا بالذي أختار عليك أحدا انت مني مكا الأب والعم ، فقالا : ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية ، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك ؟ قال : نعم ، قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما انا بالذي أختار عيلان حدا أبدا . فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك أخرجه إلى الحجر فقال : يا معشر من حضر ، اشهدو ان ازيدا ابني يرثني وأرثه . فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما وانصرفا .
ودعى زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام ، فنزلت : ادعوهم لآبائهم ، فدعى يومئذ زيد بن حارثة ، ودعى الأدعياء إلى آبائهم . والله أعلم .

الصفحة 132