كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 144 """"""
منكم أحدا حتى نتفانى نجن وأنتم ، فانكسر القوم ، وكا أشدهم انكساراً أبو جهل .
ذكر تحزب قريش على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأذاهم له ولأصحابه
قال ابن إسحاق : لما أيست قريش من أبي طالب ، وانه لا يخذل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا يسلمه أبدا تآمروا بينهم على من في القبائل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الذين أسلموا معه ، فوثبت كل قبيلةٍ على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ، فقام أبو طالب حين رأى قريشاً يصنعون ذلك في بني هاشم وبني المطلب ، فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والقيام دونه ، فقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه ، إلا ما كان من أبي لهب فانه تمادى على غيه وكفره . قال : ثم اجتمع نفر من قريش إلى الوليد بن المغيرة ، وكا ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش ؛ انه قد حضر هذا الموسم ، وا وفود العرب ستفد عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأياً واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ويرد قولكم بعضه بعضا ؛ قالوا : فانت يا أبا عبد شمس فقل ، وأقم لنا رأياً نقول به ، قال : بل أنتم فقولوا أسمع ؛ قالوا : نقول كاهن ؛ قال : لأن والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكها فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه ، قالوا : فنقول مجنون ، قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته ؛ قالوا : فنقول شاعر ؛ قال : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر ؛ قالوا : فنقول : ساحر ، قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا عقده ؛ قالوا : فما تقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : واللهالقوله لحلاوة ، وا أصله لعدق ، وا فرعه لجناة ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف انه باطل ، وا أقرب القول فيهاتقولوا : ساحر ، جاء بقولٍ هو سحر يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجه ، وبين المرء وعشيرته . فتفرقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون بسبيل

الصفحة 144