كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 145 """"""
الناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حدروه إياه وذكروا له أمره ، فانزل الله تعالى في الوليد ابن المغبرة : " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ ان أزِيدَ كَلاَّ انهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً " أي خصيما مخالفا " سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً انهُ فَكَّر وَقَدَّر فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ " . قال ابن هشام : بسرأى كره وجهه ، ثم أدجبر واستكبر فقالاهذا إلا سحرٌ يؤثراهذا إلا قول البشر .
قال ابن إسحاق : وانزل الله في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وفيما جاء به من عند الله : " الذِينَ جَعَلُوا الْقُرا عِضِينَ " أي أصنافا " فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أجْمَعِينَ عَمَّا كَانوا يَعْمَلُونَ " .
قال ابن إسحاق : وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها . قال : ثم ابتدأت قريش في عداوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن أسلم معه منهم ، فأغروا به ( صلى الله عليه وسلم ) سفهاءهم ، فكذبوه وآذوه ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مظهرٌ لأمر الله لا يستخفي به ، مبا لهم بما يكرهون من عيب دينهم ، واعتزال أوثانهم ، وفراقه إياهم على كفرهم .
قال محمد بن إسحاق : حدثني يحيى بن عروة عن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قلت له ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابوا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما كانوا يظهرون من عداوته ؟ قال : حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر ، فذكروا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا : ما رأينا مثلما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط ؛ سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا ؛ لقد صبرنا منه على

الصفحة 145