كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 149 """"""
منه ، فانه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ، أو كما قال له . حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسمع منه قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال : فاستمع مني ، قال : أفعل ، قال : " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم . حَمَ . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم . كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُراناً عَرَبِياً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . بَشِيراً وَنَذِيراً فَأعْرَ ؟ ضَ أكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ " . ثم مضى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيها يقرؤها عليه ، فلما سمعها عتبة انصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه ، ثم انتهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى السجدة فسجد ، ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فانت وذاك . فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي اني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة ، يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها بي ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأٌ عظيم ، فا تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وا يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به ؛ فقالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيي فيه ، فاصنعوا ما بدا لكم .
وروى أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي بسنده إلى جابر بن عبد الله ، قال : قال أبو جهل والملأ من قريش : لقد انتشر علينا أمر محمد ، فلو التمستم رجلاً عالماً بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ، ثم أتانا ببيا أمره ؟ فقال عتبة : لقد سمعت بقول السحرة والكهانة والشعر ، وعلمت من ذلك علما وما يخفى علياكا كذلك ، فأتاه عتبة فقال : يا محمد ، انت خيرٌ أم هاشم ؟ انت خيرٌ أم عبد المطلب ؟ انت خيرٌ أم عبد الله ؟ فلم يجبه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : فبم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا ؟ فا كنت انما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك ، فكنت رأسنا ما بقيت ، وا كان بك الباه زوجناك عشر نسوةٍ تختار من أي بنات قريش شئت ، وا كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني بها انت وعقبك من بعدك ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ساكت لا يتكلم ؛ فلما فرغ من

الصفحة 149