كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 18 """"""
رجل منهم . فلما نزلا مكة رأبا بلدا ذا ماءٍ وشجر ، فأعجبهما فنزلا به ؛ فنزل مضاض بمن معه من جرهم أعلى مكة بقعيقا فما حاز ، ونزل السميدع بقطوراء أسفل مكة بأجياد فما حاز ، وكا كل منهما يعشر من دخل مكة مما يليه ، وكلٌ منهما في قومه لا يدخل على صاحبه . ثماجرهما وقطوراء بغى بعضهم على بعض ، وتنافسوا الملك بها ومع مضاض بنو إسماعيل وبنو نابت ، وإليه ولاية البيت دون السميدع ، فسار بعضهم إلى بعض ؛ فخرج مضاض بن عمرو من قعيقعا في كتيبته سائراً إلى السميدع ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب ، يقعقع بذلك ؛ فيقال ما سمى قعيقعا قعيقعا إلا لذلك . وخرج السميدع من أجياد ومعه الخيل والرجال ، فيقال ما سمى أجياد أجياداً إلا لخروج الجياد من الخيل منه مع السميدع . فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالاً شديدا فقتل السميدع ، وفضحت قطوراء ؛ فيقال ما سمى فاضح فاضحاً إلا لذلك .
ثم ان القوم تداعوا إلى الصلح ، فساروا حتى نزلوا المطابخ : شعباً بأعلى مكة ، فاصطلحوا به ، وأسلموا الأمر إلى مضاض . فلما اجتمع إليه أمر مكة ، وصار ملكها له ، نحر للناس فطبخوا وأكلوا فيقال ما سميت المطابخ المطابخ إلا لذلك . وبعض أهل العلم يزعم انها انما سميت المطابخ لما كان تبع نحر بها وأطعم وكانت منزله ، والله أعلم .
فكا الذي كان بين مضاض والسميدع أول بغي كان بمكة . ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة ، وأخوالهم من جرهم ولاة البيت والحكام بمكة ، لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخئولتهم وقرابتهم ، وإعظاماً للحرمةايكون بها بغى أو قتال ؛ فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد ، فلا يناوئون قوماً إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم .
ثماجرهما بغوا بمكة ، واستحلوا خلالاً من الحرمة ، وظلموا من دخلها من غير أهلها وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها فرق أمرهم . فلما رأت بنو بكر بن عبد

الصفحة 18