كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 23 """"""
على قومه وأهل مكة فملكوه ، إلا انه أقر للعرب ما كانوا عليه ، وذلك انه كان يراه ديناً في نفسه لا ينبغي تغييره ؛ فأقر آل صفوان ، وعدوان ، والنسأة ، ومرة بن عوف على ما كانوا عليه ، حتى جاء الإسلام ، فهدم الله به ذلك كله .
فكا قصي أول من أصاب ملكاً من بني كعب بن لؤي ، وكانت إليه الحجابة ، والسقاية ، والرقادة ، والندوة ، واللواء ؛ فحاز شرف مكة كله ، وقطع مكة رباعاً بين قومه ، فانزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة ، فسمته قريش مجمعاً لما جمع من أمرها وتيمنت بأمره ؛ فما تنكح امرأة ، ولا يتزوج رجل من قريش ، ولا يتشاورون في أمر نزل بهم ، ولا يعقدون لواء لحرب قوم غيرهم إلا في داره ؛ يعقده لهم بعض ولده ، وما تدرع جاريةٌ إذا بلغتاتدرع من قريش إلا في داره ، يشق عليها فيها درعها ثم تدرعه ، ثم ينطلق بها إلى أهلها .
فكا أمره في قومه من قريش في حياته وبعد موته ، كالدين المتبع لا يعمل بغيره . واتخذ لنفسه دار الندوة ، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ؛ ففيها كانت قريش تقضي أمورها قال الشاعر :
قصيٌّ لعمري كان يدعى مجمّعا . . . به جمّع الله القبائل من فهر
قال ابن إسحاق : فلما فرغ قصي من حربه انصرف أخوه رزاح بن ربيعة بمن معه إلى بلاده . قال : فلم يزل قصي على ذلك ، فلما كبر ورق عظمه - وكا عبد الدار بكره ، وكا عبد مناف قد شرف في زما أبيه وذهب كل مذهب ، وعبد العزى وعبدٌ - قال لابنه عبد الدار : أما والله يا بني لألحقنك بالقوم وا كانوا قد شرفوا عليك ؛ لا يدخل رجلٌ منهم الكعبة حتى تكون انت تفتحها له ، ولا يعقد لقريش لواءً لحربها إلا انت بيدك ، ولا يشرب رجل بمكة إلا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاماً إلا من طعامك ، ولا تقطع قريش أمراً من أمورها إلا في دارك ، فأعطاه داره : دار الندوة التي لا تقضي قريش أمراً إلا فيها وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة .
وكانت الرفادة خرجاً تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصي بن

الصفحة 23