كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 277 """"""
قال عكرمة : ثم كان يراه بعد عفوه فيعرض عنه . وحيث ذكرنا حديث السحر فلا بأسانصله بالكلام على مشكله . والله أعلم بالصواب .
ذكر الكلام على مشكل حديث السحر
وقد تكلم القاضي عياض بن موسى بن عياض على هذا الحديث فقال : هذا الحديث صحيح متفق على صحته ، وقد طعنت فيه الملحدة ، وتذرعت به لسخص عقولها وتلبيسها على أمثالها إلى التشكيك في الشرع ، وقد نزه الله الشرع والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عما يدخل في أمره لبسا وانما السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كانواع الأمراض ، مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته ، وأما ما ورد انه كان يخيل إليه انه فعل الشيء ولا يفعله ، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلةً في شيء من تبليغه وشريعته ، ويقدح في صدقه ؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا وانما هذا فيما يجوز طروه عليه في أمر دنياه التي يبعث بسببها ولا فضل من أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر ، فغير بعيدايخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ، ثم يتجلى عنه كما كان .
وأيضاً فقد فسر هذا الحديث الآخر من قوله : حتى يخيل إليه انه يأتي أهله ولا يأتيهن . وقد قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر ، ولم يأت في خبر منها انه نقل عنه في ذلك قول ، بخلاف ما أخبر انه فعله ولم يفعله ، وانما كانت خواطر وحيلات . وقد قيل : ان المراد بالحديث انه كان يتخيل لشيء انه فعله ، وما فعله لكنه تخييل لا يعتقد صحته ، فتكون اعتقاداته كلها على السداد ، وأقواله على الصحة . قال : هذا ما وقفت عليه لأئمتنا من الأجوبة عن هذا الحديث . قال : لكنه قد ظهر لي في هذا الحديث تأويل أجلى وأبعد من مطاعين ذوي الأضاليل يستفاد من نفس الحديث ، وهواعبد الرزاق قد روى هذا الحديث عن ابن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وقال فيه عنهما : سحر يهود بني زريق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فجعلوه في بئر حتى كاد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )اينكر بصره . ثم دله الله على ما صنعوا فاستخرجه من البئر .
فقد استبا لك من مضمون هذه الروايات ان السحر انما يسلط على ظاهره وجوارحه ، لا على قلبه واعتقاده وعقله ، وانه انما أتى في بصره ، وحبسه عن وطء

الصفحة 277