كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 280 """"""
بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء ، فانزل الله تعالى : " قَدْ نَرَى تَقلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ " .
قال محمد بن سعد : صلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين ، ثم أمرايوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه ، ودار معه المسلمون ، قال ويقال : بل زار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أم بشر بن البراء ابن معرور في بني سلمة ، فصنعت له طعاما وحانت الظهر ، فصلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأصحابه ركعتين ، ثم أمرايوجه إلى الكعبة ، فاستدار إلى الكعبة ، واستقبل الميزاب فسمى المسجد مسجد القبلتين ، وذلك يوم الاثنين للنصف من شهر رجب على رأس سبعة عشر شهراً من مهاجره ( صلى الله عليه وسلم ) .
وروى البخاري ان أول صلاة صلاها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الكعبة صلاة العصر ، وصلى معه قومٌ ، فخرج رجل ممن كان صلى معه ، فمر على أهل المسجد وهم راكعون ، قال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت . قال ابن إسحاق : ولما صرفت القبلة أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رفاعة ابن قيس ، وقردم بن عمرو ، وكعب بن الأشرف ، ورافع بن أبي رافع ، والحجاج ابن عمرو ، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، فقالوا : يا محمد ، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وانت تزعم انك على ملة إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك - وانما يريدون فتنته عن دينه - فانزل الله : " سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهُم الَّتي كَانوا عَلَيْهَا قُلْ لِلِه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم . وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتي كُنْتَ عَلَيْهَا إلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ممنَّ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَا كَانتْ لَكَبِيرَةً إلاَّ عَلَى الَّذينَ هَدَى اللهُ وَمَا كان اللهُ لِيُضِيعَ إيمانكُمْ ان اللهَ بِالنَّاس لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ " ، أي إيمانكم بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم ، واتباعكم إياه إلى القبلة الأخرى . ثم قال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : " قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُم شَطْرَهُ وَا الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ انهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ . وَلَئِنْ أتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا انتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهْم وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِن اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ منْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ انكَ إذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ . الَّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفونَ أبْنَاءَهُمْ وَا فَرِيقاً منْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ " . والله أعلم .

الصفحة 280