كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 32 """"""
فأرسلت سلمى إلى المطلب ، فدعته إلى النزول عليها فقال : شاني أخف من ذلك ؛ ما أريد ان أحل عقدةً حتى أقبض ابن أخي فألحقه ببلده وقومه ، فقالت : لست بمرسلته معك ، وغلظت عليه فقال : لا تفعلي فاني غير منصرف حتى أحرج به معي ، فا المقام ببلده خيرٌ له من المقام ههنا وهو ابنك حيث كان ؛ فلما رأت انه غير مقصر حتى يخرج به استنظرته ثلاثة أيام ، وتحول المطلب إليهم ونزل عندهم ، وأقام ثلاثاً ثم احتمله وانطلقا جميعا ودخل به إلى مكة فقالت قريش : هذا عبد المطلب فقال : ويحكم انما هو ابن أخي شيبة بن عمرو .
وقيل انه لما دخل إلى مكة دخلها وشيبة معه على عجز ناقته ، وذلك ضحًى ، والناس في أسواقهم ومجالسهم ، فقاموا يرحبون بقدوم المطلب ويقولون له : من هذا معك ؟ من هذا وراءك ؟ فيقول : هذا عبدي ، وفي رواية هذا عبدٌ ابتعته بيثرب ، فأدخله المطلب منزله على امرأته خديجة بنت سعيد بن سهم ، فقالت : من هذا معك ؟ قال : عبدٌ لي ؛ واشترى له حلةً فلبسها ثم خرج به العشى إلى مجلس بني عبد مناف وأعلمهم انه ابن أخيه ؛ فجعل شيبة يطوف بمكة ، فإذا مر بقوم قالوا : هذا عبد المطلب ، فغلب ذلك عليه .
وفي تكنيته بأبي البطحاء انه استسقى لأهل مكة فسقوا لوقتهم ، فقال له مشايخ قريش عند ذلك : هنيئاً لك أبا البطحاء . وسنذكراشاء الله تعالى هذه القصة بطولها في المبشرات برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . فهذه أسباب تسميته وتكنيته . والله أعلم .
وكا عبد المطلب جسيما أبيض ، وسيما طوالأن فصيحاً ؛ ما رآه أحدٌ قطٌ إلا أحبه . قال الواقدي : وأقام عبد المطلب بمكة حتى أدرك ، وخرج المطلب بن عبد مناف تاجراً إلى أرض اليمن ، فهلك بردما من أرض اليمن ، فولي عبد المطلب بعده الرفادة والسقاية ؛ فلم يزل ذلك بيده وهو يطعم الحاج ويسقيهم في حياض الأدم حتى حفر زمزم ، فترك السقي في الحياض ، وسقاهم من زمزم ، وكا يحمل الماء من زمزم إلى عرفة فيسقيهم . والله أعلم .
ذكر حفر عبد المطلب زمزم وما وجد فيها
قال محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله بسندٍ رفعه إلى علي بن أبي طالب

الصفحة 32