كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 65 """"""
بذلك الطعام فصنع ، ثم أرل إلى القوم فقال : اني قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش ، فانا أحباتحضروا كلكم ؛ صغيركم وكبيركم ، وعبدكم وحركم ؛ فقال له رجل منهم : يا بحير ان الك لشاناً اليوم : قال له بحيرا : صدقت ، قد كان ما تقول فاجتمعوا إليه ، وتخلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ، فقال : يا معشر قريش لا يتخلف منك أحد عن طعامي ، قالوا : ما تخلف عنك أحد ينبغيايأتيك إلا غلام ، وهو أحدث القوم سناً تخلف في رحالهم ، قال : لا تفعلوا ادعوه فليحضر ، فقال رجل من قريش : واللات والعزىاكا للؤماً بن ان ايتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا ثم قام فاحتضنه وأجلسه مع القوم ، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظاً شديداً وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيرا فقال له : يا غلام ، أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ، فقال : لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئاً قط بغضهما فقال له : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه فقال : سلني عما بدا لك ، فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه ، وهيئته ، وأموره ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يخبره ، فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته ، ثم نظر إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، وكا مثل أثر المحجم ، فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني ؟ قال له بحيرا : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلامايكون أبوه حياً ؛ قال : فانه ابن أخي ، قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات وأمه حبلى به ، قال : صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده فاحذر عيلان ليهود ، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ، ليبغنه شرا فانه كائن لابن أخيك هذا شا عظيم ، فأسرع به إلى بلاده ، فخرج أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام .
وروىاوزيراً وتماماً ودريسا وهم نفر من أهل الكتاب ، قد كانوا رأوا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مثل ما رأى بحيرا في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب ، فأرادوه ، فردهم عنه بحيرا وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته ، وانهما أجمعوا لما أرادوا به لا يخلصوا إليه ، فعرفهم ما قال لهم فتركوه وانصرفوا عنه ؛ قال : فشب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكلؤه الله ويحفظه ويحوطه لما يريد به من كرامته

الصفحة 65