كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 76 """"""
ويأخذ العهد بذلك على قومه . ونحوه عن السدى وقتادة .
وقال تعالى : " وَإذْ أخَذْنَا مِن النَّبِينِّنَ مِيثَاقَهُمْ ومِنْكَ وَمِن نُوحٍ وإبرَاهِيمَ وَمُوسَى وعيسَى ابنِ مَرْيَمَ وَأخَذْنَا مِنهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً " . روى عن قتادة : ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : كنت أول الأنبياء في الخلق ، وآخرهم في البعث . قال القاضي عياض : فلذلك وقع ذكره مقدماً هنا قبل نوح وغيره ، صلى الله عليهم أجمعين .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : انا دعوة أبي إبراهيم ، وبشر بي عيسى الحديث . يشير بدعوة إبراهيم عيلان لسلام إلى قوله تعالى إخباراً عنه : " رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً منْهُمْ يتلُو عَليهِم آياتِك وَيُعَلِّمُهُم الكتَابَ والحِكْمَةَ ويُزَكّيهِمْ انك انتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ " .
وأما ما جاء في كتب الله السالفة ، فقد علمنا قطع ان ان أهل الكتاب بدلوا في كتب الله تعالى المنزلة على انبيائهم ، وحرفوا كلمها عن مواضعه ، وحذفوا منها أشياء فيها صريح ذكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بغياً منهم وحسداً وجحوداً ونكالاً وافتراء على الله تعالى . هذا لا مرية عندنا فيه ولا خلاف ، وقد اتفقوا على أشياء في كتبهم وترجموا عنها بالعربية ، تدل على نبوة سيدنا محمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، نحن نذكره ان اشاء الله ، وكتموا فيها ما أخبر به من أسلم من أخبار يهود وغيرهم ، وعرض ذلك على من استمر على كفره ، فلم يسعه انكاره بل أقر به ، على ما نذكراشاء الله تعالى في مواضعه .
فأما ما اتفقوا عليه مما جاء في التوراة وترجموه بالعربية ورضوا ترجمته فمن ذلك قوله : جاء الله من طور سيناء ، وأشرق لنا من ساعير ، واستعلن من جبال فاران . وفي ترجمة أخرى كذلك : تجلى الله من طور سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران . قال العلماء : وفي هذا تصريح بنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، لأن الطور هو الجبل الذي اصطفى الله تعالى موسى عليه بتكليمه ، وساعير : جبل بالشام منه ظهرت نبوة عيسى بن مريم ، وبالقرب منه قرية الناصرة التي ولد فيها وفاران : هي مكة شرفها الله تعالى .

الصفحة 76