كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 78 """"""
الأنجيل : أن عيسى عيلان لسلام قال : ان أحببتموني فاحفظوا وصيتي ، وانا أطلب إلى أبي فيعطيكم بارقليط آخر يكون معكم الدهر كله ، فهذا تصريح با الله سيبعث إليهم من يقوم مقامه ، وينوب عنه في تبليغ رسالات ربه ، وسياسة خلقه منابه ، وتكون شريعته باقيةً مخلدة أبدا ولم يأت بذلك بعد عيسى إلا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
ومنه ما ترجموه : اهذا الكلام الذي سمعتموه ليس هو لي ، بل للأب الذي أرسلني ، كلمكم بهذا وانا معكم ، فأما البارقليط ، روح القدس الذي يرسل أبي باسمي ، فهو يعلمكم كل شيء ، ويذكركم جميع ما أقول لكم .
قال ابن ظفر : قولهم : أبي : فهذه اللفظة عندنا مبدلة محرفة ، وليست منكرة الاستعمال عند أهل الكتابين إشارةً إلى الرب سبحانه ، لأنها عندهم لفظة تعظيم يخاطب بها المتعلم معلمه الذي يستمد العلم منه ؛ قال : ومن المشهور مخاطبة النصارى عظماء دينهم بالآباء الروحانية ؛ قال : وأما قوله : يرسله أبي باسمي فهو إشارة إلى شهادة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) له بالصدق والرسالة ، وما تضمنه القرا من مدحه وتنزيهه عما افتراه اليهود في أمره .
ومما ترجموه ورضوا ترجمته قولهم : انه قال : إذ قال البارقليط الذي أرسل إليكم من عند أبي ، روح الحق الذي يخرج من الأب ، فهو يشهد لي ، وأنتم تشهدون لي أيضاً لكينونتكم معي من أول أمري .
قال : قوله روح الحق الذي يخرج من الأب كنايةٌ عن كلام الله المنزل على رسول الله صلى الله عيه وسلم ، قال الله تعالى : " وكَذَلِكَ أوحَيْنَا إلَيْكَ روُحاً مِن أمْرِنَا " .
وقوله : يشهد لي تصريح بنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، إذ لم يشهد للمسيح عيلان لسلام بالنبوة ، والنزاهة عما افترى عليه ، وبانه روح الله وكلمته وصفيه ورسوله ، كتابٌ سوى القران ، ولم تزل الأمم تكذب المتبعين للمسيح ، واليهود يفترون العظائم من البهتان ، حتى بعث الله محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) فشهد للمسيح بما شهد به حواريوه الذين كانوا معه من أول أمره ، والمهتدون من أمته . قال : ومما رضوه من الترجمة أيضاً عن الأنجيل قوله فيه : ان انطلاقي خير لكم ، لأنيالم انطلق لم يأتكم البارقليط ؛ فإذا انطلقت أرسلت به إليكم ، فإذا جاء فند أهل العلم . قال : فهذا ظاهر ، وقوله : أرسلت به إليكماكا سالماً من التحريف ، فمعناه مثل معنى قوله : الم انطلق لم يأتكم ، وقوله : فند وصفٌ صريح للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فهو الذي فند علماء اليهود والنصارى فما أطبقوا عليه من ان

الصفحة 78