كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 89 """"""
إسحاق في خبر تبع الأول ، قال : وكا من الخمسة الذين كانت لهم الدنيا بأسرها وكا له وزراء ، واختار منهم واحدا وأخرجه معه ، وكا يسمى عماريشا وأخذه لينظر في مملكته ، وخرج معه مائة ألف من الفرسان ، وثلاثة وثلاثون ألفا ومائة ألف وثلاثة عشر ألفاً من الرجالة ، وكا إذا أتى بلدةً يختار منها عشرة رجال من حكمائها حتى جاء إلى مكة ، فكان معه مائة ألف رجل من العلماء والحكماء الذين اختارهم من البلدان ، فلم يهبه أهل مكة ولم يعظموه ، فغضب لذلك ، ثم دعا وزيره عماريشا وقال : كيف شا أهل هذه البلدة ؟ فانهم لم يهابوني ، ولم يخافوا عسكري ، فقال : أيها الملك انهم قوم عرب جاهلون لا يعرفون شيئا وا لهم بيتاً يقال له كعبة ، وهم معجبون بهذا البيت ، وهم قوم يعبدون الطواغيت ، ويسجدون للأصنام . فقال الملك : وهم معجبون بهذا البيت ؟ قال : نعم ، فنزل بعسكره ببطحاء مكة ، وفكر في نفسه دون الوزير ، وعزم على هدم الكعبة ، وتسميتها خربة ، وا يقتل رجالهم ، ويسبي نساءهم ، فأخذه الله بالصداع ، وتفجر من عينيه وأذنيه ومنخريه وفمه ماء منتن ، فلم يصبر عنه أحد طرفة عين من نتن الريح ، فاستيقظ لذلك وقال لوزيره : اجمع العلماء والحكماء والأطباء وشاورهم في أمري ، فاجتمع عنده الأطباء والعلماء والحكماء ، فلم يقدروا على المقام عنده ، ولم يمكنهم مداواته ، فقال : اني جمعت الأطباء والعلماء والحكماء من جميع البلدان ، وقد وقعت في هذه الحادثة ولم يقدروا على مداواتي ، فقالوا بأجمعهم : انا نقدر على مداواة ما يعرض من أمور الأرض ، وهذا شيء من السماء لا نستيطع رد أمر السماء ، ثم اشتد أمره ، وتفرق الناس عنه ، ولم يزل أمره في شدة حتى أقبل الليل ، فجاء أحد العلماء إلى الوزير وقال : ابيني وبينك سرا وهواكا الملك يصدقني في حديثه عالجته ، فاستبشر الوزير بذلك وأخذ بيده ، وحمله إلى الملك ، وأخبره بما قال الحكيم ، وما التمسه من صدق الملك ، حتى يعالج علته ، فاستبشر الملك بذلك ، وأذن له في الدخول ، فلما دخل قال : أريد الخلوة ، فأخلي له المكان ، فقال : نويت لهذا البيت سوءاً ؟ قال : نعم ؛ اني نويت خرابه ، وقتل رجالهم ، وسبي ذراريهم ، فقال له : اوجعك وما بليت به من هذا . اعلماصاحب هذا البيت قويٌ يعلم الأسرار ، فبادر وأخرج من قلبك ما هممت به من أذى هذا البيت ولك خير الدنيا والآخرة ، قال الملك : أفعل ، قد أخرجت من قلبي جميع المكروهات ،

الصفحة 89