كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 16)

"""""" صفحة رقم 93 """"""
لا يتركها تخبو ساعة ؛ قال : وكا لأبي ضيعة عظيمة ، فشغل في بنيا له يوما فقال يا بني : اني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب إليها فأمرني فيها ببعض ما يريد ثم قال : ولا تحتبس عني ، فانك ان احتبست عني كنت أهم إلى من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمري ؛ قال : فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم انظر ما صنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ، ورغبت في أمرهم وقلت : هذا والله خيرٌ من الذين الذي نحن عليه ، فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس ، وتركت ضيعة أبي فلم آتها ثم قلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام ، فرجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي ، وشغلته عن عمله كله ، فلما جئته قال : أي بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت : يا أبت مررت باناس يصلون في كنيسة لهم ، فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت من عندهم حتى غربت الشمس ، قال : أي بني ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خيرٌ منه ، قلت له : كلا والله انه لخيرٌ من ديننا قال : فخافني فجعل في رجلي قيداً ثم حبسني في بيته ، فبعثت إلى النصارى فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركبٌ من الشام تجار فأخبروني بهم ، قال : فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم ، فقلت : إذا قضوا حوائجهم ، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم ، فآذوني بهم ، فلما أرادوا الرجعة أخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام ، فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين علماً ؟ قالوا الأسقف في الكنيسة ، فجئته فقلت : اني رغبت في هذا الدين ، وأحببت ان أكون معك وأخدمك وكنيستك ، وأتعلم منك ، وأصلي معك ، قال : ادخل ، فدخلت معه ، فكان رجل سوء ، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه شيئاً منها اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين ، حتى جمع سبع قلالٍ من ذهب وورق ، قال : وأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع ، ثم مات واجتمعت له النصارى ليدفنوه فقلت لهم : اهذا رجل سوء ، يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ، ولم يعط المساكين منها شيئا فقالوا لي : وما علمك بذلك ؟ قلت : انا أدلكم على كنزه ، قالوا : فدلنا عليه ، فأريتهم موضعه ، فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهباً وورقا فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه أبدا فصلبوه ورجموه بالحجارة ، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه . قال : يقول سلمان : فما رأيت رجلاً لا يصلي الخمس أرى انه أفضل منه ، وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب

الصفحة 93