كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 7)
رَفْعُ الْخِلَافِ فِي الدِّينِ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلِمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَكْمَلَ دِينَهُ بِقَوْلِهِ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..) [ (11) ] وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَحْدُثُ وَاقِعَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُهَا نَصًّا أَوْ دَلَالَةً.
وَفِي نَصِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، مَعَ شِدَّةِ وَعْكِهِ، مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ، فَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ نَصًا، أَوْ دَلَالَةً، تَخْفِيفًا عَلَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِكَيْ لَا تَزُولَ فَضِيلَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الِاسْتِنْبَاطِ، وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ، بِمَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَيْهِ. وَفِيمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [إذا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ، فَلَهُ أجران. وإذا اجتهد فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ] [ (12) ] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ بَيَانَ بَعْضِ الْأَحْكَامِ إِلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ أَحْرَزَ مَنْ أَصَابَ مِنْهُمُ الْأَجْرَيْنِ الْمَوْعُودَيْنِ، أَحَدُهُمَا بِالِاجْتِهَادِ، وَالْآخَرُ بِإِصَابَةِ الْعَيْنِ الْمَطْلُوبَةِ بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الدَّلَالَةِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، وَإِنَّهُ أَحْرَزَ مَنِ اجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ أَجْرًا وَاحِدًا بِاجْتِهَادِهِ، وَرَفَعَ إِثْمَ الْخَطَأِ عَنْهُ، وَذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَمْ يَأْتِ بَيَانُهَا نَصًا، وَإِنَّمَا وَرَدَ خَفِيًّا.
فَأَمَّا مَسَائِلُ الْأُصُولِ، فَقَدْ وَرَدَ بَيَانُهَا جَلِيًّا، فَلَا عُذْرَ لِمَنْ خَالَفَ بَيَانَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ بِالدَّلَالَةِ، مَعَ طَلَبِ التَّخْفِيفِ عَلَى صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، وَفِي ترك رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ فِيمَا قَالَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى اسْتِصْوَابِهِ رَأْيَهُ، وبالله التوفيق.
__________
[ (11) ] الآية الكريمة (3) من سورة المائدة.
[ (12) ] أخرجه البخاري في: 96- كتاب الاعتصام بالسنة (21) باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو اخطأ، الحديث (7352) فتح الباري (13: 318) .
وأخرجه مسلم في: 30- كتاب الأقفية (6) باب بيان اجر الحاكم إذا اجتهد، الحديث (15) ، ص (3: 1342) وغيرهما.
الصفحة 185