كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 7)

وحقيقته- هو غنى النفس، والمسكنة -على الحقيقة، وعلى كنهها- لمن قعد في بيته، وقنع بما أوتي.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا حكيم إلا ذو تجربةٍ)).
فالحكمة: من نور الجلال، فإذا أعطي العبد، انفجرت ينابيع الحكمة على قلبه، فهذه الحكمة ينبوعها على قلبه، فهي جاثمة متراكمة، وما لم تأخذه التجارب، لم تقدر النفس على مطالعة الحكمة؛ لأن النفس بلهاء غتمية، مشغولة بالشهوات، فكيف تدرك الحكمة؟ والحكمة باطن الأمور وأسرار العلم، فهي تعاين الظاهر ولا تدركه، فكيف تدرك الباطن؟.
فإذا جرت الأمور، صارت هذه التجارب له كالمرآة ينظر فيها؛ لأنها صارت معاينة، ولذلك قال ابن عباس: ينتهي عقل الرجل إلى ثمانٍ وعشرين، ثم من بعد ذلك التجارب.
فالعقل للقلب، والتجارب للنفس؛ لأن العقل باطن، والتجارب ظاهرة، تبصر العين، وتسمع الأذن، ويشم الأنف، وتلمس اليد، وتذوق اللسان واللهاة، فالتجارب -هاهنا-، وهي مسالك هذه الأشياء إلى النفس، وشعور النفس من هذه المسالك الظاهرة، فعندها تشعر النفس بذلك العقل الذي أعطي؛ لأن العقل إنما مسكنه في الدماغ، وفي الصدر يشرق بين

الصفحة 13