كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 7)
ومن أيد في الاستقامة حتى يمر إلى الله تعالى، ولا يروغ في سيره يميناً وشمالاً، فإذا وصل إلى الله، فقد ذهب الروغان، واستقام على الباب.
ورأيت فيما يرى النائم: كأن سائلاً سألني عن قوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}، فأردت أن أجيبه بما عندي من ظاهر العلم، فرأيت قبالتي شخصاً بيده صحيفة يقابل بها وجهي، فيها مكتوب: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} أي: اشتاقوا إلى لقائه، ثم انتبهت، فقلت في نفسي: هذا عين التفسير.
وإذا نزل العبد منزلة المشتاقين، فنهمته وشهوته اللحوق بربه، فقلبه بالباب عاكف، والعاكف على الله لا تزول استقامته، فالناس فيما بين الحدين من مبتدئه إلى أعلاه، كلٌّ قد أخذ من هذا بحظ، فالديان يحاسبهم، فيعطيهم من ثواب هذه الاستقامة كلاًّ على قدر ثباته، وانتصابه لله، وتوقيه للروغان عنه، وكذلك قوله تعالى: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ}.
فالإيمان: هو طمأنينة القلب إلى الله، واستقرار النفس بما استقر القلب، وإنما صار ذلك كذلك بالنور، فذلك النور اكتساب القلب، به يكرم، وبه يثاب، وبه يجوز الصراط إلى دار السلام، فإذا أذنب، فالذنب ظلمة، فقد ألبس ذلك النور ظلمة، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أذنب العبد، نكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا عاد، نكتت أخرى، فلا يزال كذلك حتى يسود القلب، فإذا تاب ونزع، صقل قلبه)).