كتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (اسم الجزء: 7)

دمياط غير مرّة، وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة وَخرجت لَهُ قَدِيما مَا عَلمته من مسموعة فِي جُزْء ولازم الِاشْتِغَال إِلَى أَن صَار أحد الْأَعْيَان وبرع فِي الْفِقْه وأصوله والعربية وَغَيرهَا وفَاق النَّاس فِي التوثيق بِحَيْثُ كَانَ يملي فِي آن وَاحِد على اثْنَيْنِ فِي مسطورين مُخْتَلفين بل على ثَلَاثَة وَلَا يجِف لوَاحِد مِنْهُم فِيمَا بَلغنِي قلم وَقصد فِي القضايا الْكِبَار من الْأَعْيَان فأنهاها وتمول من ذَلِك جدا وتدرب بِهِ جمَاعَة فِي)
الصِّنَاعَة كل ذَلِك مَعَ الْخط الْحسن البديع الْفَائِق والعبارة البليغة الرائقة والذهن الصافي الَّذِي هُوَ فِي غَايَة الْجَوْدَة يتوقد ذكاء مَعَ الرياضة الزَّائِدَة وَالْعقل التَّام والتواضع وَالِاحْتِمَال والمدارة وَبعد الْغَوْر وَالصَّبْر على الْأَذَى وتجرع الغصة إِلَى إِمْكَان انتهاز الفرصة والصحبة الْحَسَنَة للنَّاس بِحَيْثُ أَنه قل أَن اجْتمعت محاسنه فِي غَيره بل هُوَ حَسَنَة من حَسَنَات، وَقد نَاب فِي الْقَضَاء عَن شَيْخه البساطى بعد سنة خمس وَثَلَاثِينَ فحمدت سيرته، وَلم يمض عَلَيْهِ إِلَّا الْيَسِير حَتَّى صَار أحد أَعْيَان النواب وَتردد إِلَى النَّاس لَا سِيمَا الأكابر حَتَّى كَانَ عِنْدهم بِالْمحل الْجَلِيل مَعَ بذل الْجهد فِي إنقاذ الْأَحْكَام وردع الْجَبَابِرَة من الْعَوام وَنَحْوهم حَتَّى ضرب بِهِ الْمثل فِي ذَلِك ثمَّ نَاب للبدر بن التنسى وَصَارَ أروج نوابه وَلَوْلَا وجود الْمعَارض لَكَانَ قَاضِي الْمَذْهَب بعده مَعَ أَنه لم يتَخَلَّف عَن النِّيَابَة عَمَّن بعده إِلَى أَن مَاتَ، ودرس للمالكية بالفخرية عقب البساطى وبالبرقوقية عقب أبي الْجُود وتصدر بِجَامِع عَمْرو وَكَانَت عينت لَهُ الجمالية بعد الْبَدْر بن التنسى وَلَكِن لم يَنْتَظِم أمرهَا لَهُ، وأقرأ الطّلبَة وَأفْتى وَصَارَ الِاعْتِمَاد فِي الْفَتَاوَى عَلَيْهِ لمزيد إتقانه واختصاره وتحريره وَحسن إِدْرَاكه لمقاصد السَّائِلين، وَحدث وعظمت رغبته فِي السماع والإسماع وعلت همته فِي ذَلِك سمع مِنْهُ الْأَئِمَّة وحملت عَنهُ جملَة وَبَالغ فِي الثَّنَاء على بِلَفْظِهِ وخطه، وَكتب على الجرومية شرحا دمجا وَكَذَا على الملحة لكنه لم يكمل وَله غير ذَلِك، وَهُوَ من رُفَقَاء الْجد أبي الْأُم وقدماء أَصْحَابه وَمَا كنت أَنْقم عَلَيْهِ إِلَّا امتهانه لنَفسِهِ بالتردد للأراذل ومساعدتهم فِيمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَرُبمَا جر ذَلِك لمالا يَلِيق بأمثاله وَهَذَا هُوَ الَّذِي قعد بِهِ عَن التَّقَدُّم لما كَانَ هُوَ الْمُسْتَحق لَهُ، وَقد أنشأ قاعة جليلة صَارَت من الدّور الْمَذْكُورَة وَلم يمتع بهَا لكَونه لم يزل متوعكا بالربو وَتارَة بالسعال وبحبس الإراقة وَتارَة بِضيق النَّفس حَتَّى مَاتَ فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسِتِّينَ وَصلى عَلَيْهِ من الْغَد وَدفن بالقرافة عِنْد ابْن أبي حَمْزَة وَكَانَ يقْرَأ عِنْد ضريحه أول كل عَام منتقاه من البُخَارِيّ ويهرع النَّاس لسَمَاع ذَلِك قصدا للتبرك بزيارة الشَّيْخ رَحمَه الله وإيانا.
مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن كميل بِضَم الْكَاف بن عوض بن رشيد

الصفحة 28