كتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (اسم الجزء: 7)

الْوَاحِد مِنْهُم بِكَوْنِهِ فِي عبوديته قد ملك رقّه وتطبع هُوَ الحشمة فتكلف وتنطع فِي أَلْفَاظه الَّتِي لَيْسَ بهَا يعرف وأغلط حَتَّى فِي تخيله وحدسه وَصَارَ إِلَى رياسة وضخامة وغفلة عَمَّا يلاقيه أَمَامه ونفوذ كَلمته وَشدَّة شَكِيمَته وهابته الْأُمَرَاء والقضاة فضلا عَن المباشرين والنظار وهادته الرؤساء من سَائِر الأقطار وَالسُّلْطَان فِيمَا يُعِيدهُ ويبديه يزِيد فِي إرخاء الْعَنَان لَهُ وَالتَّصْرِيح بشكر أياديه وَالدُّعَاء الَّذِي يجْهر بِهِ بِحَضْرَة عدوه فَكيف عِنْد من يواليه لقِيَامه بِمَا لم ينْهض بِهِ غَيره من جلب الْأَمْوَال والتحف ولباسه لأَجله من الْمَظَالِم مَا ارتدي بِهِ والتحف مَعَ اشْتِغَال هَذَا بالدندنة بالجمالي نَاظر الْخَاص واشتغال قلب الْمشَار إِلَيْهِ بِمَا يشافهه بِهِ من الذَّم والانتقاض وَهُوَ مظهر التغافل عَن أمره مبطن تَدْبِير رَأْيه فِي طمس أَثَره وخفض قدره إِلَى أَن اتّفق مَجِيء البلاطنسي فِي محنة الشاميين بِأحد أعوان صَاحب التَّرْجَمَة أبي الْفَتْح الطَّيِّبِيّ وَمَا بِهِ كل مِنْهُم يقاسي فَصَعدَ إِلَى السُّلْطَان فِي أَوَاخِر جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَخمسين وأعلمه بمزيد الضَّرَر من الطَّيِّبِيّ على الْمُسلمين فبادر بعد الإصغاء للمقال بعزله وَكَانَ هَذَا ابْتِدَاء إهانة صَاحب التَّرْجَمَة وذله فانه بعد بِيَسِير وثب طَائِفَة من المماليك فضربوه وهجموا بَيته وَأخذُوا مَا بِهِ من جليل وحقير وأعانتهم الْعَامَّة حَتَّى أحرق بَابه وَعظم صُرَاخ كل من أعوانه وانتحابه وَلم يلبث أَن جَاءَ إِلَيْهِ نقيب الْجَيْش فَأَخذه مَاشِيا ابعد ذَلِك التيه والطيش وَذهب بِهِ لقَاضِي الشَّافِعِيَّة الْمَنَاوِيّ وَانْطَلَقت الألسن بِمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من القبائح والمساوئ ورام السُّلْطَان بذلك تسكين الْفِتْنَة وَيَأْتِي الله إِلَّا صرف تِلْكَ المحنة فاستميل السُّلْطَان حَتَّى رسم بنقله لباب الْمَالِكِي لتحتم قَتله فَمَا وَافق القَاضِي على ذَلِك بل أَمر بسجنه فِي الديلم لتتضح لَهُ فِي قَتله المسالك فَأَخَذُوهُ على حمَار وَفِي عُنُقه جنزير وأودعوه فِيهِ بعد إهانة من الْعَامَّة وذل)
كَبِير فَأَقَامَ بِهِ إِلَى أَن أَمر السُّلْطَان بعوده للمناوي لكَونه أقرب للغرض الَّذِي مضمره وَله ناوي فَحِينَئِذٍ بَادر إِلَى الحكم باسلامة وحقن دَمه وتعزيره وَرفع ألمه وَمَعَ ذَلِك كُله فَكف الله السُّلْطَان عَن عوده لمنزله وَأَهله وَأمر باخراجه من الْقَاهِرَة منفيا إِلَى طرطوس فَأخْرج لَيْلًا خوفًا من اغتياله الَّذِي بِهِ ترتاح النُّفُوس ثمَّ صَار يُؤمر فِي كل قَلِيل بضربه مَعَ التبريح بِهِ والتنكيل بل ينْقل أَيْضا من مَكَان إِلَى مَكَان قصدا لتوالي الذل بذلك والامتهان وَللَّه در الْقَائِل:
(يَا من علا علوه ... أعجوبة بَين الْبشر)

(غلط الزَّمَان بِرَفْع قد ... رك ثمَّ حطك وَاعْتذر)
ثمَّ بعد بِيَسِير لم يشْعر النَّاس إِلَّا وَقد أشيع أَنه بِبَيْت أَمِير الْمُؤمنِينَ ليطلع مَعَه

الصفحة 64