كتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (اسم الجزء: 7)

فِي غَد للشفاعة فِيهِ بِالتَّعْيِينِ وَوصل الْعلم بِهِ للجمالي الْمعِين فدبر إِفْسَاد مَا تقرر وَتعين وَجَاء قَاصد السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة يَأْمُرهُ بالكف عَن الطُّلُوع مَعَه رديفة فَصَعدَ هَذَا مُنْفَردا وَلم يبلغ بذلك مقصدا بل بَادر السُّلْطَان لإنكار مَجِيئه بِدُونِ علمه فَأجَاب بسبق الْأذن فِيهِ برقمه وكادر وحاقق فَجحد وشاقق وَأمر بضربه بَين يَدَيْهِ وَلم يجن بصنيعه عَلَيْهِ ثمَّ أخرجه منفيا وتكلف الْجمال فِي هَذَا مَا يفوق الْوَصْف نشرا وطيا وَاسْتمرّ فِي نَفْيه وإبعاده وحبسه عَن تعديه وفساده حَتَّى مَاتَ الظَّاهِر ثمَّ الجمالي الْمَذْكُور وراسل يَسْتَدْعِي الْمَجِيء والحضور ظَانّا هُوَ وَأَتْبَاعه عوده لأعظم مِمَّا كَانَ لخلو الجو بعزل الْأنْصَارِيّ وَمَوْت الجمالي أعظم الْأَركان فرسم حِينَئِذٍ بمجيئه بِيَقِين وَوصل فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَهُوَ متوعك مكروب وبالوفاء بِمَا ألزم بِهِ نَفسه مَطْلُوب فأحدث كثيرا من الظلامات الَّتِي بَاء باثمها فِي الْحَيَاة وَبعد الْمَمَات وَلَكِن حَبسه الله عَن الْبلُوغ لكثير من قَصده وبغيته خُصُوصا لمن أضمر السوء بِهِ مِمَّن كَانَ السَّبَب فِي إبقائه مهجته فَأَنَّهُ أول مَا قدم انتزع مِنْهُ خطابة جَامع عَمْرو وَنَظره ووالي التَّعَرُّض فِيهِ وكرره هَذَا بعد مَجِيء الْمشَار إِلَيْهِ أول قدومه للسلام عَلَيْهِ وَقطعَة الِاعْتِكَاف من أَجله بل وَأهْدى لَهُ مَا يَكْتَفِي بِدُونِهِ من مثله. وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يصل لشَيْء مِمَّا كَانَ فِي أمله وَلَا رأى مسلكا للولوج فِي تِلْكَ المسالك المألوفة من قبله بل خَابَ ظَنّه وَظن جماعته وطاب لَهُ الْمَوْت بصريحة وكنايته وَصَارَ ألمه فِي نمو وتدبيره فِي انْتِقَاض وَعلمه فِي انحطاط وانخفاض إِلَى أَن ظهر عَجزه واشتهر وَتعرض لَهُ بالامتهان صبيان الْوزر وَجِيء بِهِ وَهُوَ مَرِيض لَا حَرَكَة فِيهِ سوى اللِّسَان مَحْمُولا فِي قفص امتثالا لأمر السُّلْطَان)
لباب الْمُحب كَاتب السِّرّ الشريف لعمل حسابه المشمول بالتبديل والتحريف فَلم يتم لَهُ أمره بل قَصم ظَهره وانقضى عمره. وَمَات عَن قرب سنة أَربع وَسِتِّينَ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة الْعشْرين من الْمحرم وَلَا تمكن وَارثه من كفن مِمَّا هُوَ فِي حوزته وَلَا لَهُ تسلم حَتَّى تصدق مُحَمَّد بن الأهناسي عَلَيْهِ بالكفن الجالب لكل مَكْرُوه وعفن وَصلى عَلَيْهِ من الْغَد عقب الصَّلَاة بِجَامِع الْحَاكِم الشهير وَمَشى فِي جنَازَته فِيمَا قيل نَحْو سَبْعَة أنفس بالتقدير أَو بالتحرير ولسان حَاله ينشد:
(إِلَى حتفي سَعَة قدمى ... أرى قدمي أراق دمى)
وَبكى الْعَوام لأجل قلَّة من تبعه لما رأى من الْعِزّ والجاه فسبحان الْقَادِر القاهر، وَقد لَقيته بِجَامِع طيلان من طرابلس فِي رحلتي إِلَيْهَا وَبَالغ فِي الْإِكْرَام والاحترام وَأرْسل إِلَى بِدَرَاهِم لَهَا وَقع فامتنعت من قبُولهَا بِحَيْثُ أَنه لما قدم الْقَاهِرَة حكى

الصفحة 65