كتاب نيل الأوطار (اسم الجزء: 7)

سُوءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا فَقَبِلَهُ اللَّهُ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا) .

3054 - (وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَاحِبٍ لَنَا أَوْجَبَ، يَعْنِي النَّارَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ يُعْتِقْ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثُ وَاثِلَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ: (وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ. وَالْعِصَابَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ: الْجَمَاعَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَا وَاحِد لَهَا مِنْ لَفْظِهَا. وَقَدْ جُمِعَتْ عَلَى عَصَائِبَ وَعُصُبٍ قَوْلُهُ: (بَايِعُونِي) الْمُبَايَعَةُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَاهَدَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَشْبِيهَا بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] . قَوْلُهُ: «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التَّيْمِيُّ وَغَيْرُهُ: خَصَّ الْقَتْلَ بِالْأَوْلَادِ لِأَنَّهُ قَتْلٌ وَقَطِيعَةُ رَحِمٍ فَالْعِنَايَةُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ آكَدُ وَلِأَنَّهُ كَانَ شَائِعًا فِيهِمْ وَهُوَ وَأْدُ الْبَنَاتِ أَوْ قَتْلُ الْبَنِينَ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ أَوْ خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ بِصَدَدِ أَنْ لَا يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ) الْبُهْتَانُ الْكَذِبُ الَّذِي يَبْهَتُ سَامِعَهُ وَخَصَّ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلَ بِالِافْتِرَاءِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْأَفْعَالِ يَقَعُ بِهِمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْعَوَامِلُ وَالْحَوَامِلُ لِلْمُبَاشَرَةِ وَالسَّعْيِ، وَلِذَا يُسَمُّونَ الصَّنَائِعَ الْأَيَادِي. وَقَدْ يُعَاقَبُ الرَّجُلُ بِجِنَايَةٍ قَوْلِيَّةٍ فَيُقَالُ هَذَا بِمَا كَسَبَتْ يَدَاكَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا تَبْهَتُوا النَّاسَ كِفَاحًا وَبَعْضُكُمْ شَاهَدَ بَعْضًا كَمَا يُقَالُ قُلْتُ كَذَا بَيْنَ يَدَيْ فُلَانٍ قَالَهُ الْخَطَّابِيِّ. وَقَدْ تُعُقِّبَ بِذِكْرِ الْأَرْجُلِ. وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَيْدِي وَذَكَرَ الْأَرْجُلَ لِلتَّأْكِيدِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ ذِكْرَ الْأَرْجُلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا فَلَيْسَ بِمَانِعٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْأَرْجُلِ وَالْأَيْدِي الْقَلْبَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُتَرْجِمُ اللِّسَانُ عَنْهُ فَلِذَلِكَ نُسِبَ إلَيْهِ الِافْتِرَاءُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ} [الممتحنة: 12] : أَيْ فِي الْحَالِ. وَقَوْلُهُ {وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: 12] أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْ أَفْعَالِ الْأَرْجُلِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: أَصْلُ هَذَا كَانَ فِي بَيْعَةِ النِّسَاءِ وَكَنَّى بِهِ كَمَا قَالَ الْهَرَوِيُّ عَنْ نِسْبَةِ الْمَرْأَةِ الْوَلَدَ الَّذِي تَزْنِي بِهِ أَوْ تَلْقُطُهُ إلَى زَوْجِهَا، ثُمَّ

الصفحة 63