كتاب نيل الأوطار (اسم الجزء: 7)

بَابُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ مَنْ عَدَاهُمْ بِخِلَافِهِمْ لِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ فَلَا يَصْلُحُ لِتَخْصِيصٍ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» وَلَا لِتَقْيِيدِهِ عَلَى فَرْضِ الْإِطْلَاقِ وَلَا سِيَّمَا وَمَخْرَجُ اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ وَالرَّاوِي وَاحِدٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ تَصَرُّفِ الرَّاوِي، وَاللَّازِمُ الْأَخْذُ بِمَا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى زِيَادَةٍ فَيَكُونُ الْمَجُوسِيُّ دَاخِلًا تَحْتَ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ مِنْ الْكُفَّارِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا مَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَلَا أَمَانَ وَلَا عَهْدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ، وَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ دُخُولِ الْمَجُوسِيِّ تَحْتَ ذَلِكَ اللَّفْظِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَالْجَامِعُ الذِّمَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِلْجَمِيعِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] قَالُوا: وَإِطْلَاقُ الدِّيَةِ يُفِيدُ أَنَّهَا الدِّيَةُ الْمَعْهُودَةُ وَهِيَ دِيَةُ الْمُسْلِمِ. وَيُجَابُ عَنْهُ أَوَّلًا بِمَنْعِ كَوْنِ الْمَعْهُودِ هَهُنَا هُوَ دِيَةُ الْمُسْلِمِ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدِّيَةِ الدِّيَةَ الْمُتَعَارَفَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُعَاهَدِينَ. وَثَانِيًا بِأَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ مُقَيَّدٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ
وَاسْتَدَلُّوا ثَانِيًا بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: غَرِيبٌ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَى الْعَامِرِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ وَكَانَ لَهُمَا عَهْدٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَمْرٌو بِدِيَةِ الْمُسْلِمِينَ» . وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ «أَنَّهَا كَانَتْ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» ، وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ أَعْطَى أَهْلَ الْمَقْتُولِ النِّصْفَ وَأَلْقَى النِّصْفَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ: ثُمَّ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالنِّصْفِ وَأَلْغَى مَا كَانَ جَعَلَ مُعَاوِيَةُ. وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةَ الْعَامِرِيَّيْنِ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَكَانَ لَهُمَا عَهْدٌ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ دِيَةَ الْمُعَاهَدِينَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ»
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَى ذِمِّيًّا دِيَةَ مُسْلِمٍ» وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ أَبَا سَعِيدٍ الْبَقَّالَ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَالرَّاوِي عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ.
وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلٌ وَمَرَاسِيلُهُ قَبِيحَةٌ لِأَنَّهُ حَافِظٌ كَبِيرٌ لَا يُرْسِلُ إلَّا لِعِلَّةٍ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآخَرُ فِي إسْنَادِهِ أَيْضًا أَبُو سَعِيدٍ الْبَقَّالُ الْمَذْكُورُ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي إسْنَادِهِ أَبُو كُرْزٍ وَهُوَ أَيْضًا مَتْرُوكٌ. وَمَعَ هَذِهِ الْعِلَلِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُعَارَضَةٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ صِحَّتِهِ، وَكَوْنِهِ قَوْلًا وَهَذِهِ فِعْلًا وَالْقَوْلُ أَرْجَحُ مِنْ الْفِعْلِ
وَلَوْ سَلَّمْنَا صَلَاحِيَّتَهَا لِلِاحْتِجَاجِ وَجَعَلْنَاهَا مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ حَدِيثِ الْبَابِ كَانَ غَايَةُ مَا فِيهَا إخْرَاجَ الْمُعَاهَدِ وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ فَرْقًا؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ ذَلَّ وَرَضِيَ بِمَا حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الذِّلَّةِ بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ فَلَمْ يَرْضَ بِمَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ مِنْهَا فَوَجَبَ ضَمَانُ

الصفحة 80