كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

ولضعف هذا السند قال: البيهقي في كتابه "المعرفة": ذو اليدين بقي بعد النبي - عليه السلام - فيما يقال، ولقد أنصف وأحسن في هذه العبارة، ثم إن قول شيخه أبي عبد الله: "كل من قال ذلك فقد أخطأ" هو خطأ غير صحيح.
روى مالك في "موطأه" (¬1): عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان، عن أبي حثمة بلغني: "أن رسول الله - عليه السلام - ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار -الظهر أو العصر- فسلم من اثنتين، فقال له ذو الشمالين -رجل من بني زهرة بن كلاب- أقَصرت الصلاة ... " الحديث، وفي آخره: مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن مثل ذلك.
فقد صرّح في هذه الرواية أنه ذو الشمالين، وأنه من بني زهرة.
فإن قيل: هو مرسل. قلت: ذكر أبو عمر في "التمهيد" أنه يتصل من وجوه صحاح، والدليل عليه ما ذكرناه مما رواه النسائي آنفًا، ثم قول الحاكم، عن ذي الشمالين: "لم يعقب" يفهم من ظاهره أن ذا اليدين أعقب، ولا أصل لذلك فيما قد علمناه، والله أعلم. فإن قيل: إن ذا اليدين وذا الشمالين إذا كانا لقبًا على شخص واحد على ما زعمتم فحينئذ يدل على أن أبا هريرة لم يحضر تلك الصلاة، وذلك لأن ذا اليدين الذي هو ذو الشمالين قتل ببدر، وأبو هريرة أسلم عام خيبر، وهو متأخر بزمان كثير، ومع هذا فأبو هريرة يقول: "صلى بنا رسول الله - عليه السلام - إحدى صلاتي العشي إما الظهر أو العصر .... " الحديث، وفيه: "فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله ... ".
أخرجه مسلم (¬2) وغيره، وفي رواية: "صلى لنا رسول الله - عليه السلام - صلاة العصر فسلم في ركعتين، فقام ذو اليدين ... " الحديث.
¬__________
(¬1) "موطأ مالك" (1/ 94 رقم 212).
(¬2) "صحيح مسلم" (1/ 404 رقم 573).

الصفحة 11