كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

قلت: الجواب عن هذا الإشكال ما ذكره الطحاوي في هذا الباب على ما يجيء عن قريب إن شاء الله أن معناه: صلى بالمسلمين، وهذا جائز في اللغة كما روي عن النزال بن سبرة قال: "قال لنا رسول الله: إنَّا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف ... " الحديث، والنزال لم يَرْ رسول الله - عليه السلام -، وإنما أراد بذلك: قال لقومنا، وروي عن طاوس قال: "قدم علينا معاذ بن جبل - رضي الله عنه - فلم يأخذ من الخضراوات شيئًا" وإنما أراد: قدم بلدنا؛ لأن معاذًا إنما قدم اليمن في عهد رسول الله - عليه السلام - قبل أن يولد طاوس - رضي الله عنه -، ومثله ما ذكره البيهقي في باب "البيان أن النهي مخصوص ببعض الأمكنة": عن مجاهد قال: "جاءنا أبو ذرٍّ ... " إلى آخره ثم قال البيهقي: مجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر، وقوله: "جاءنا" أي جاء بلدنا، فافهم.
الوجه الثاني: فيه دليل على أن سجود السهو سجدتان.
الثالث: فيه حجة لأصحابنا أن سجدتي السهو بعد السلام، وهو حجة على الشافعي ومن تبعه في أنها قبل السلام.
الرابع: أن الذي عليه السهو إذا ذهب من مقامه ثم عاد وقضى ما عليه هل يصح؟ فظاهر الحديث يدل على أنه يصح؛ لأنه قال: "فجاء فصلى ركعة"، وفي رواية غيره من الجماعة: "فرجع رسول الله - عليه السلام - مقامه".
ولكن الفقهاء اختلفوا في هذه المسألة: فعند الشافعية فيها وجهان أصحهما: أنه يصح؛ لهذا الحديث؛ لأنه ثبت في "صحيح مسلم": "أنه مشى إلى الجذع وخرج السرعان"، وفي رواية: "دخل منزله"، وفي رواية: "دخل الحجرة ثم خرج، ورجع الناس وبنى على صلاته.
والوجه الثاني وهو المشهور عندهم: أن الصلاة تبطل بذلك، وقال: النووي وهذا مشكل وتأويل الحديث صعب على من أبطلها، ونقل عن مالك: أنه ما لم ينتقض وضوءه يجوز له ذلك وإن طال الزمن، وكذا روي عن ربيعة مستدلين بهذا الحديث ومذهب أبي حنيفة في هذه المسألة: إذا سلم ساهيًا على الركعتين

الصفحة 12