كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

للمستفهم، لا ينفي الجمع بينهما حتى يكون نفي العموم؛ لأنه عارف بأن الكائن أحدهما.
والثاني: لما قال: "كل ذلك لم يكن" قال له ذو اليدين: "قد كان بعض ذلك" ومعلوم أن الثبوت للبعض إنما ينافي النفي عن كل فرد لا النفي عن المجموع.
وقوله "قد كان بعض ذلك" موجبة جزئية، ونقيضها السالبة الكلية، ولولا أن ذا اليدين فهم السلب الكلي لما ذكر في مقابلته الإيجاب الجزئي، وها هنا قاعدة أخرى وهي: أن لفظة كل إذا وقعت في حيز النفي كان النفي موجبها خاصة، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد، كقولك: ما جاء كل القوم، ولم آخذ كل الدراهم، وقوله: ما كل ما يتمنى المرء يدركه، وإن وقع النفي في حيزها اقتضى السلب عن كل فرد؛ لقوله - عليه السلام -: "كل ذلك لم يكن".
قوله: "فقالوا: نعم" وفي رواية البخاري: "فقال الناس: نعم" وفي رواية أبي داود: "فأومئوا: نعم" كما ذكرنا، وأكثر الأحاديث: "قالوا: نعم" ويمكن أن يجمع بينهما بأن بعضهم أومأ، وبعضهم تكلم، ثم إذا كان كلامًا لا إشارة كان إجابة للرسول - عليه السلام - وهي واجبة قال الله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} (¬1) وقال بعض المالكية: لا يلزم أن تكون الإجابة بالقول، بل يكفي فيها
الإيماء، وعلى تقدير أن تجب بالقول لا يلزم منه الحكم بصحة الصلاة، لجواز أن تجب الإجابة، ويلزمهم الاستئناف، أو يكون النبي - عليه السلام - تكلم معتقدًا للتمام والصحابة تكلموا مجوزين النسخ. انتهى.
ويضعف هذا قول ذي اليدين: "قد كان بعض ذلك" وقولهم: "نعم" بعد قوله: "أصدق ذو اليدين" فقد تكلموا بعد العلم بعدم النسخ.
فإن قيل: كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم بعد في الصلاة؟.
¬__________
(¬1) سورة الأنفال، آية: [24].

الصفحة 26