كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

قلت: قال النووي -رحمه الله-: فجوابه من وجهين:
الأول: أنهم لم يكونوا على اليقين من البقاء في الصلاة؛ لأنهم كانوا مجوزين لنسخ الصلاة، من أربع إلى ركعتين، ولهذا قال ذو اليدين: "أقصرت الصلاة أم نسيت".
والثاني: أن هذا كان خطابًا للنبي - عليه السلام - وجوابًا، وذلك لا يبطل عندنا ولا عند غيرنا، وفي رواية لأبي داود بإسناد صحيح "أن الجماعة أومئوا" أي: أشاروا: نعم، فعلى هذه الرواية لم يتكلموا.
قلت: وفي الجواب الأول نظر كما ذكرنا الآن، وقال القاضي: وقد يجاب عن هذا بأن يقال: يمكن أن يجاوبوه إشارة إذ لم يكن استدعى منهم النطق، وفي كتاب أبي داود ما يشير إلى هذا؛ لأنه ذكر أن أبا بكر وعمر أشارا إليه أن يقوم، ولعل أن من روى عنهما أنهما قالا: نعم أي: أشار، فسمى الإشارة قولًا.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: احتج به بعضهم على جواز الترجيح بكثرة العدد، قال القرطبي: لا حجه فيه؛ لأنه إنما استكشف لما وقع له من التوقف في خبره حيث انفرد بالخبر عن ذلك الجمع لكثير وكلهم دواعيهم متوفرة، وحاجتهم داعية إلى الاستكشاف عما وقع، فوقعت الريبة في خبر المخبر لهذا، وجوز أن يكون الغلط والسهو منه لا لأنها شهادة.
الثاني: فيه إشكال على مذهب الشافعي؛ لأن عندهم أنه لا يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره إمامًا كان أو مأمومًا ولا يعمل إلا على يقين نفسه، واعتذر الشيخ محيي الدين النووي: عن هذا بأنه - عليه السلام - سألهم ليتذكر، فلما ذكروه تذكر
بعلم السهو فبنى عليه، لا أنه رجع إلى مجرد قولهم، ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره، لرجع ذو اليدين حين قال النبي - عليه السلام -: "لم تقصر ولم أنس".
قلت: هذا ليس بجواب مخلِّص لأنه لا يخلو من الرجوع، سواء كان رجوعه للتذكر أو لغيره، وعدم رجوع ذي اليدين كان لأجل كلام الرسول - عليه السلام - لا لأجل يقين نفسه، فافهم.

الصفحة 27