كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

وقال أبو عمر بن عبد البر: وذهب الشافعي وأصحابه إلى أن الكلام والسلام ساهيًا في الصلاة لا يفسدها، كقول مالك وأصحابه سواء، وإنما الخلاف بينهما أن مالكًا يقول: لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيها إذا كان في شأنها وإصلاحها، وهو قول ربيعة وابن القاسم إلا ما روى عنه في المنفرد، وهو قول أحمد بن حنبل، ذكر الأثرم عنه أنه قال: ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لم يُفسد عليه صلاته، فإن تكلم لغير ذلك فسدت عليه، وذكر الخرقي عنه: أن مذهبه فيمن تكلم عامدًا أو ساهيًا بطلت صلاته إلا الإِمام خاصة؛ فإنه إذا تكلم لمصلحة صلاته لم تبطل صلاته.
وقال الشافعي وأصحابه ومن تابعهم من أصحاب مالك وغيرهم: إن من تعمد الكلام وهو يعلم أنه لم تتم الصلاة وأنه فيها، أفسد صلاته، فإن تكلم ناسيًا أو تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلاة؛ لأنه قد كملها عند نفسه لا تبطل، وأجمع المسلمون طرًّا أن الكلام عامدًا في الصلاة إذا كان المصلي يعلم أنه في الصلاة ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته أنه يفسد الصلاة، إلا ما روي عن الأوزاعي أنه من تكلم لإحياء نفس أو مثل ذلك أن الأمور الجسام لم تفسد بذلك صلاته، وهو قول ضعيف في النظر. انتهى.
وقال القاضي عياض: المشهور عن مالك وأصحابه الأخذ بحديث ذي اليدين، وروي عنه ترك الأخذ به، وأنه كان يستحب أن يعيد ولا يبني، قال: وإنما تكلم النبي - عليه السلام - وأصحابه؛ لأنهم ظنوا أن الصلاة قصرت، ولا يجوز ذلك لأحدنا اليوم، ورواه عنه أبو قرة، وقاله ابن نافع وابن وهب وابن كنانة وقال الحارث بن مسكين: أصحاب مالك كلهم على خلاف ما قال ابن القاسم عنه، وقالوا: كان هذا أول الإِسلام، وأما الآن فمن تكلم فيها أعادها، وقد اختلف قول مالك وأصحابه في التعمد بالكلام لإصلاح الصلاة من الإِمام والمأموم، ومنع ذلك بالجملة أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأهل الظاهر، وجعلوه مفسدًا للصلاة إلا أن أحمد أباح ذلك للإمام وحده، وسوى أبو حنيفة بين العمد والسهو انتهى.

الصفحة 29