كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

وقال ابن قدامة في "المغني": قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدًا، وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة، فأما الكلام لغير ذلك فينقسم خمسة أقسام.
أحدها: أن يتكلم جاهلًا بتحريم الكلام في الصلاة، فقال القاضي في "الجامع": لا أعرف عن أحد نصًّا في ذلك، ويحتمل أن لا تبطل صلاته؛ لأن الكلام كان مباحًا في الصلاة بدليل حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم، فلا يثبت حكم النسخ في حق من لم يعلمه بخلاف الناسي، فإن الحكم قد ثبت في حقه.
القسم الثاني: أن يتكلم ناسيًا وذلك نوعان:
أحدهما: أن ينسى أنه في الصلاة، ففيه روايتان:
إحداهما: لا تبطل الصلاة وهو قول مالك والشافعي؛ لأنه - عليه السلام - تكلم في حديث ذي اليدين.
والثانية: تفسد صلاته، وهو قول النخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان وأصحاب الرأي، لعموم أحاديث المنع من الكلام.
النوع الثاني: أن يظن أن صلاته قد تمت فيتكلم، فهذا إن كان سلامًا لم تبطل صلاته -رواية واحدة- لأنه - عليه السلام - وأصحابه فعلوه وبنوا علي صلاتهم، وإن لم يكن سلامًا فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة من أصحابه، أنه إذا تكلم بشيء مما تكمل به الصلاة أو شيء من شأن الصلاة مثل كلام النبي - عليه السلام - ذا اليدين لم تفسد صلاة، وإن تكلم في شيء من غير أمر الصلاة كقوله: يا غلام اسقني ماء، فسدت صلاته، وفيه رواية ثانية: أن الصلاة تفسد بكل حال، وهذا مذهب أصحاب الرأي، وفيه رواية ثالثة: أن الصلاة لا تفسد بالكلام في تلك الحال بحالٍ سواء كان من شأن الصلاة أو لم يكن، إمامًا كان أو مأمومًا، وهذا مذهب مالك والشافعي؛ لأنه نوع من النسيان، فأشبه التكلم جاهلًا، وتخرج فيه رواية رابعة: وهو أن المتكلم إن كان إمامًا تكلم لمصلحة الصلاة لم تفسد صلاته، وإن تكلم غيره فسدت صلاته.

الصفحة 30