كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

قال السفاقسي: وفيه دليل على جواز استخلاف الإِمام إذا أصابه ما يوجب ذلك، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وبه قال عمر وعلي والحسن وعلقمة وعطاء والنخعي والثوري.
وعن الشافعي وأهل الظاهر: لا يستخلف الإمام، وقال بعض المالكية تأخر أبي بكر - رضي الله عنه - وتقدمه - عليه السلام - من خواص النبي - عليه السلام - لأنهم كانوا تَقَدَّموا النبي - عليه السلام - بالإحرام، ولا يفعل ذلك بعد النبي - عليه السلام -.
قلت: هذا الحديث حجة على الشافعي في منعه صحة الاستخلاف، وأصحابنا جوزوا الاستخلاف بهذا الحديث، وبحديث عائشة - رضي الله عنها -: لما مرض مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة فأذن، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس ... " الحديث (¬1).
فإن قيل: أنتم ما تجوزون الاستخلاف إلا فيمن سبقه الحدث، حتى لو تعمد ذلك أو قهقه أو تكلم لا يجوز الاستخلاف، فكيف تستدلون بالحديث؟
قلت: لأن الذي سبقه الحدث عاجز عن المضي في الصلاة فيجوز له الاستخلاف، كما أن أبا بكر - رضي الله عنه - عجز عن المضي فيها ليكون المضي من باب المتقدم على رسول الله - عليه السلام -، وقد قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (¬2) فصار هذا أصلًا في حق كل إمام عجز عن الإتمام أن يتأخر ويستخلف غيره.
الثالث: قال النووي في تقدمه - عليه السلام -: يستدل به أصحابنا على جواز اقتداء المصلي بمن يحرم في الصلاة بعد الإِمام الأول؛ فإن الصديق - رضي الله عنه - أحرم بالصلاة أولًا ثم اقتدى بالنبي - عليه السلام - حين أحرم بعده، قال: وهو الصحيح من مذهبنا.
¬__________
(¬1) متفق عليه، من حديث عائشة - رضي الله عنها -، البخاري (1/ 236 رقم 633)، ومسلم (1/ 312 رقم 418).
(¬2) سورة الحجرات، آية: [1].

الصفحة 48