كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

اتساع رواية الطحاوي وجلالة قدره الذي أخرج في حكم واحد نادر الوقوع بالنسبة إلى غيره عن اثنى عشر صحابيًّا مع استنباط الأحكام والتوغل فيها!.
ص: فإن قال قائل: تلك الصدقة إنما هيم الزكاة خاصةً، فأما ما سوى ذلك من سائر الصدقات فلا بأس به لهم.
قيل له: في هذه الآثار ما قد دفع ما ذهبت إليه، وذلك في حديث بهز بن حكيم: "أن النبي - عليه السلام - كان إذا أتي بالشيء سأل أهدية أم صدقة؟ فإن قالوا: صدقة، قال لأصحابه: كلوا" واستغن بقول المسئول أنه صدقة عن أن يسأله: صدقة من زكاة أم غير ذلك، فدل ذلك على أن حكم سائر الصدقات في ذلك سواء، وفي حديث سلمان: "فقال: فجئت، فقال: أهدية أم صدقة؟ فقلت: بل صدقة؛ لأنه بلغني أنكم قوم فقراء". فامتنع من أكلها لذلك. وإنما كان سلمان يومئدٍ عبدًا ممن لا تجب عليه زكاة، فدل ذلك على أن كل الصدقات من التطوع وغيره قد كان محرمًا على رسول الله - عليه السلام - وعلى سائر بني هاشم.
ش: تقرير السؤال أن يقال: الصدقة المحرمة على بني هاشم في الأحاديث المذكورة هي الزكاة خاصةً، وبقية الصدقات لا بأس بها عليهم.
وتقرير الجواب: أن هذا دعوى التخصيص من غير دليل. وهي باطلة، والأصل إجراء الألفاظ العامة على عمومها ولا سيما ها هنا؛ فإن بعض ألفاظ الحديث يدل على العموم وعدم الفرق بين صدقة وصدقة كما في حديث بهز بن حكيم وحديث سلمان - رضي الله عنه -، وقد بُيَّن وجه ذلك في الكتاب.
ص: والنظر أيضًا يدل على استواء حكم الفرائض والتطوع في ذلك، وذلك أنا رأينا غير بني هاشم من الأغنياء والفقراء في الصدقات المفروضات والتطوع سواء، من حرم عليه أخذ الصدقة مفروضة، حَرُم عليه أخذ صدقة غير مفروضة، فلما حرم على بني هاشم، أخذ الصدقات غير المفروضة. فهذا هو النظر في هذا أيضًا.

الصفحة 531