كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

الذي ذكر في حديث عمران بن الحصين وعبد الله بن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهم - كان قبل تحريم الكلام في الصلاة.
حاصل هذا الكلام: أن حديث ذوإليدين منسوخ، وقد ذكر جماعة من المحققين أن ناسخه حديث عبد الله بن مسعود الذي أخرجه البخاري (¬1)، ومسلم (¬2)، وأبو داود (¬3)، والنسائي (¬4) بأسانيدهم عن عبد الله قال: "كنا نسلم على النبي - عليه السلام -
وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: "إن في الصلاة لشغلًا".
وحديث زيد بن أرقم الذي أخرجه الجماعة (¬5) بأسانيدهم عنه قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه، حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬6) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام، وذلك لأن ذا اليدين قتل يوم بدر، كذا روي عن الزهري وغيره على ما يجيء إن شاء الله، وأن قصته في الصلاة كانت قبل بدر، ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخر الإِسلام عن بدر؛ لأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي - عليه السلام - أو صحابي آخر.
فإن قيل: قد روي في بعض روايات مسلم في قصة ذي اليدين أن أبا هريرة قال: "بينا أنا أصلي مع النبي - عليه السلام - صلاة الظهر، فسلم رسول الله - عليه السلام - في الركعتين، فقام رجل من بني سليم ... " الحديث وهذا تصريح منه أنه حضر تلك الصلاة، فانتفى بذلك ما ذكرته وما ذكره الطحاوي أيضًا من التأويل الذي أوله، على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى.
¬__________
(¬1) "صحيح البخاري" (3/ 1407 رقم 3662).
(¬2) "صحيح مسلم" (1/ 382 رقم 538).
(¬3) "سنن أبي داود" (1/ 305 رقم 923).
(¬4) "المجتبى" (3/ 19 رقم 1221).
(¬5) تقدم
(¬6) سورة البقرة، آية: [238].

الصفحة 54